بقلم:أسامة غريب
بعد تحرك محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية فى اتجاه إدانة إسرائيل، بدأت بعض الأصوات الأوروبية تبتعد عن التأييد الأعمى لجرائم إسرائيل، وأصبحنا نسمع جوزيب بوريل يطالب إسرائيل بوقف الحرب، كما شهدنا نشاطًا أوروبيًّا فى اتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ورغم أن هذه التحركات لم تحدث استجابة لضمير استيقظ، وإنما خوفًا على إسرائيل من نفسها بعد أن داست على العالم كله بحذائها، فإن خطوات فى هذا الاتجاه مطلوبة ومقدّرة، وقد دفع الفلسطينيون ثمنها من أرواحهم.
مع ذلك تبقى فى النفوس غصة لأن العرب والمسلمين كان تحركهم دون المتوقع، ولعلنا نذكر تحركات إيجابية حدثت أثناء اعتداءات إسرائيلية سابقة على غزة منها جريمة عام 2010 والسفينة التركية «مافى مرمرة»، التى ذهبت لإغاثة الفلسطينيين محملة بالمعونات الغذائية والطبية، فواجهها الجيش الصهيونى بالنيران. بعد ذلك ساءت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى حد سحب السفراء وتخفيض التمثيل الدبلوماسى مع تقديم شكاوى إلى كل المنظمات الدولية المعنية بالتحقيق فى جرائم من هذا النوع.
اليوم، بعد عشر سنوات على هذا العدوان، تتعرض غزة وسكانها لحرب إبادة وحشية بمساندة حلف الناتو، ومع ذلك فإن الدعم الذى تحصل عليه غزة وشعبها لا يرقى من كل دول العالم إلى المساندة التى وجدوها عام 2010 حينما لم يكن الوضع مأساويًّا على النحو الذى هو عليه الآن.. فما السبب يا ترى فى أن تركيا التى زأرت بقوة فى وجه الوحش الإسرائيلى واتخذت خطوات عملية ضده منذ عشر سنوات لا تبعث سفينة أخرى لكسر الحصار مثلما فعلت فى السابق؟.
00:00
أعتقد أن التجربة قد علمت الرئيس أردوغان أنه إن فعل ذلك مرة أخرى فلسوف يجد نفسه وحيدًا فى مواجهة أشرار الكرة الأرضية جميعًا ولن يجد دعمًا من البلاد الإسلامية التى ستقف متفرجة على الاقتصاد التركى وهو يتعرض للتدمير ولليرة وهى تنهار وللمنظمات الدولية وهى تتخذ مواقف مائعة لن ترد لتركيا حقها. هذا فى ظنى هو سبب الاكتفاء هذه المرة بالدعم الصوتى والدعاء على نتنياهو من فوق المنابر وعدم المضى فى اتخاذ خطوات عملية ملموسة تؤلم دولة الاحتلال.
لقد شاهدَتْ تركيا الفيلم من قبل وعرفت نهايته، فأدركت أن مَن يؤازر غزة فى محنتها سيكون وحيدًا.. ولو كان الأمر يتعلق بالمشاعر والعواطف والنوايا فإن الأتراك شعبًا وحكومة مثلهم مثل الإيرانيين والعرب يمقتون العدو الذى يحتل الأرض الفلسطينية ويتمنون لو كان فى الإمكان التعامل معه على النحو الذى يستحقه، غير أن موازين القوى أصبحت تفرض على الدول أن تدرس الوضع السياسى والجغرافى قبل أن تندفع فى مساندة الحق!.
إن أحد وجوه المأساة أصبح يتمثل فى أننا لم نعد نراهن على تحرك عربى إسلامى يوقف الوحشية الإسرائيلية، وإنما أصبحنا نأمل أن تخاف الدول الأوروبية على ربيبتها إسرائيل فتتحرك لمنعها من مواصلة العدوان، الذى قد تكون نتيجته كارثية على إسرائيل أيضًا. نعم هذا هو ما أصبحنا نراهن عليه، فما أهوننا!.