بقلم:أسامة غريب
فى زيارة لفرنسا منذ سنوات وكان بصحبتى صديق، وقفت أمام إحدى البنايات فى شارع سان ميشيل وطال وقوفى.. لقد تداعت إلى نفسى ذكريات أيام عشتها مع نفر من رفاق السفر فى هذا البيت عندما جئنا إلى هنا ونحن طلبة بالجامعة، وكانت ظروفنا فى ذلك الوقت صعبة للغاية.. لا شغل ولا فلوس ولا تأشيرة صالحة، لذلك فقد كان الصراع بين هؤلاء ضاريا على أتفه الأشياء!.. قفزت إلى ذاكرتى تفاصيل ما فعلوه بى وما فعلته بهم، وأحسست برعدة والأحداث تعود بأبطالها شاخصين أمامى كأن هذا حدث بالأمس وليس فى أواخر السبعينيات. قبل أن أغرق فى باقى الذكريات انتبهت إلى صديقى يصيح بى غاضبا من هذه الوقفة التى لن تنتهى والتأملات التى ستلتهم الرحلة. حكيت له ما يدور ببالى آملا أن يتفاعل معى ويشاركنى الخيال، ومن ثم يقدّر ما أنا عليه من إثارة وشجن، لكنه تظاهر بالاهتمام ثم سحبنى إلى موضوع آخر، ولم ألق منه ما تمنيته من تفاعل ومشاركة. مرة ثانية يتكرر الأمر مع صديق آخر فى فيينا. .لم يتركنى أتمعن فى ناصية الشارع التى كنت أقف فيها فى عز البرد أبيع الجرائد زمان. لم أغضب منهما بطبيعة الحال لأنه بصراحة لم يُخلق بعد من يتحمل أن تجرّه معك ثم تقف أمام حوش بيت صامتا لمدة ساعة، إلا إذا صحبت معك خادمك الخاص أو مرؤوسا سوف يتغاضى عن جنونك مقابل منافع آجلة!. تعلمت بعد ذلك أن أخرج وحدى فى الطلعات التى يكون الغرض منها التأكد من أن هذه الوقائع التى تملأ خيالى قد حدثت فعلا ولم يصورها لى الوهم.
الغريب أن هذه التأملات والذكريات التى ضاق بها أصحابى ولم يقدروا على التظاهر بأنها تهمهم قد لقيت الكثير من التعاطف من القراء حين كتبتها لهم، بل إنها كانت سببا فى مبيعات كبيرة لبعض الكتب التى تضمنت قصصا من هذا النوع، وهذا فى تقديرى يعد سببا إضافيا لأهمية الكتابة بالنسبة للكاتب. هناك من الكتّاب من يظن أنه يكتب حتى لا يجن، وهناك من يكتب لكى يتفادى الانتحار أو السقوط فى وهدة المرض النفسى، كما أن منهم من يكتب حتى يشعر بالسلام والرضا أو يكتب ليوصّل رسالة.. أما أنا فقد وجدت سببا إضافيا هو أن أكتب الحواديت التى تضجر أصدقائى إذا ما رويتها لهم وطلبت منهم أن يعيشوها معى. الكتابة تسمح بأن تروى الحكايات القديمة التى يتبرم منها الأصدقاء لأنها لا تخصهم أو ليس هذا أوانها، وقد يفاجئك أن هذه الحكايات تمتع القراء لدرجة أنهم يستحثونك على الإكثار منها!.. ليس معنى هذا أن قرائى الذين لا أعرفهم أفضل من أصدقائى الذين أعرفهم وأحبهم، لكنه يعنى أن الكتابة تحل لك هذه الإشكالية وتجعلك ترفق بالأصدقاء الذين يحتملون الشطحات فى حدود وليس إلى آخر مدى، كما يعنى أن أشجانك تخصك وحدك ولن يشاركك إياها أحد إلا إذا كان لا يعرفك