بقلم: أسامة غريب
مر شرحبيل بن نوسة بأزمة نفسية بعد أن تعقّدت قضية والدته عقب الشهادة الزور التى حاول بعض أصدقائها التقدم بها لإنقاذها وقُضى باستمرار حبسها. ورغم الظروف لم ينقطع ابن نوسة عن الذهاب للقهوة والجلوس مع حمامة الفلايكى القادر على حل كل المشكلات.
سحب حمامة نَفَسين من الشيشة ورمق صاحبه بنظرة فيلسوف قائلًا: عارف يا شرحبيل ما سر أزمتك؟ رد الأخير متلهفًا: ليتنى أعرف.. أظن أنه سوء البخت. قال الفلايكى: ربما كان سوء الحظ جزءًا من الأزمة، لكن الأساس هو خلو العالم من الحنان والرحمة. لم يفهم شرحبيل علاقة الحنان بمشكلة أمه التى توشك أن تأخذ تأبيدة فى قضية مقتل إسماعيل بالونة، ومع ذلك فقد جارى صديقه فى تحليلاته قائلًا: هل تقصد أن نوسة لو كانت وجدت الحنان مع زوجها إبراهيم كازوز لما اتخذت من بالونة الحرامى عشيقًا؟. هز حمامًا رأسه نافيًا: لا ليس الأمر هكذا، ثم إن كازوز قد غمر نوسة بالحنان لكن قلبها كان فى مكان آخر.. الموضوع يا صاحبى له بُعد دولى يتواطأ الجميع على إخفائه!. رد شرحبيل متعجبًا: قضية نوسة لها أبعاد خارجية؟ قال حمامة: هل تعرف بان كى مون؟. قبل أن يجيب انطلق صديقه شارحًا: هذا الرجل الكورى الجنوبى كان يبسط مظلة حنان ورحمة على كل الناس، غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم بلا تمييز.. هل تصدق أن القلق كان ينهشه لو علم أن طفلًا فى سيراليون قد نام بدون عشاء أو أن شيخًا فى جزر سليمان يحتاج لتعميرة.. لقد كان يعرب عن قلقه لدى أقل بادرة خروج على النواميس الطبيعية سواء عدوان عسكرى أو انهيار جليدى أو ثوران بركان أو حتى صعوبة امتحان الكيمياء بتاع أولى ثانوى، ولو أنه كان لا يزال فى الخدمة لما سمح بلجان الغش الجماعى فى الثانوية العامة التى أقيمت لحساب أبناء العائلات الكبيرة فى بعض المحافظات
كان شرحبيل يستمع محملقًا فى خشوع، بينما انطلق حمامة يحكى عن الأمين العام السابق للأمم المتحدة: هل سمعت أن الأمين الحالى الأخ جوتيريش شعر بالقلق من أجل أحد؟! بالطبع لم تسمع، لأن هذا الأخير لا ينشغل إلا بالأمور التى تهم الأمريكان، فى حين كان كى مون شعبويًا حنونًا لا تأخذه فى المودة لومة لائم.. إن السفهاء قالوا عنه إنه كان يقبض أوفر تايم عندما يعرب عن القلق فى أيام الإجازات، بينما الحقيقة أنه كان يقلق بالمجان فى معظم الأعياد، خصوصًا فى الكريسماس، وفى عيد التنين الصينى، وعيد حصاد القنب الهندى الذى يستخرجون منه الأفيون فى أفغانستان.
وضع شرحبيل كوب القرفة جانبًا وهو يشعر بالحيرة: لكن يا حمامة يا أخويا ما علاقة قضية نوسة بالأستاذ كى مون؟ أجاب: سحابة البَرَكة التى كانت تظللنا انسحبت يا صديقى.. لم تعد بالدنيا بركة بعد رحيل الرجل الطيب الذى تآمر عليه الأوغاد وأخرجوه من منصبه، ولو أنه كان فى الخدمة لأخذت نوسة إفراجًا أو على الأقل لاستطعت أنت أن تجد منتجًا فنيًا يعبئ أشعارك فى كاسيتات.. القضية كلها قضية بَرَكة.. ونكمل غدًا.