المحطة السادسة العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار

المحطة السادسة: العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار

المحطة السادسة: العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار

 العرب اليوم -

المحطة السادسة العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار

معتز بالله عبد الفتاح

الدولة العثمانية هى العنوان الكبير للكثير مما يحدث فى عالمنا الإسلامى اليوم؛ فما لبثت أن نهضت الدولة العثمانية واستفادت من الأراضى التى ضمتها إليها، ولكنها لم تفدها كثيراً لأسباب ثلاثة: أولاً لقد خلقت الدولة العثمانية حالة من المركزية المقصودة أدت إلى هشاشة الهوامش (أى الولايات) وقوة المركز (أى العاصمة)، مثلما كان عليه الحال فى مصر التى فقدت العديد من كبار صناعها ومهرة مبدعيها وعلمائها الذين أجبروا على السفر إلى الأستانة لتعمير المركز على حساب تراجع الهامش.

ومن ناحية ثانية تبنى السلاطين والولاة العثمانيون سياسة العزلة عن العالم الخارجى خوفاً من أن تقع بلاد المسلمين نهباً للاستعمار والمستعمرين، وكأنها بهذا تظن أن ضعف بلاد المسلمين يعنى عدم جاذبيتها للمستعمر، فتوقف المسلمون فعلاً عن التفاعل مع الحضارات الغربية، وأصبح الوالى يتولى الحكم لمدة ثلاث سنوات لا يهتم خلالها إلا بجباية الضرائب وتصيد أهل الفن والمهارة وإرسالهم للأستانة، ولو صدقنا ابن إياس، المؤرخ الذى لم يسلم من انتقاد، فقد اختفت فى مصر 50 صنعة بسبب النقل القسرى لعلمائها وحرفييها إلى الأستانة.

وحين غزا الفرنسيون مصر فى آخر القرن الثامن عشر واجه المصريون ومعهم بقايا المماليك عدواً بدا وكأنه مقبل من الفضاء يستخدم أسلحة شديدة التعقيد بمعايير تلك الفترة، فضلاً عن أدوات علمية متقدمة مثل مطبعتين إحداهما بالعربية. وقد كانت الحملة صدمة حضارية للشرق كله، وفضيحة مدوية لأساليب الدولة العثمانية فى إدارة شئون ولاياتها. فقد كانت الحملة تضم نحو 175 عالماً فى الرياضيات وعلم الحيوان والكيمياء والفلك والجغرافيا وهندسة المناجم والهندسة المعمارية والرسم والنحت وموسيقيين وفنيى طباعة ومتخصصين فى المتفجرات وأطباء وأدباء، لم يكن للأسف لهم نظير فى أى من هذه المجالات فى بلد كان أهله يذهلون العالم بمعابدهم وتماثيلهم الشاهدة على علمهم وإتقانهم. كما أتت الحملة بمئات الكتب فى التاريخ الطبيعى والفيزياء ومعمل للكيمياء، حتى إن مؤرخ ذلك الزمن، الجبرتى، يشير إلى أن المصريين كانوا يعتقدون أن الفرنساويين يعملون سحراً أو يسخرون الجن بسبب ما كانوا يقومون به من تجارب كيميائية ينتج عنها صوت مرتفع أو دخان كثيف.

ولم تجد محاولة محمد على لإيقاظ مصر ومحيطها المباشر كثيراً فقد تحالفت الدول الغربية، بإذن من الدولة العثمانية نفسها، فى القضاء على تجربته الوليدة.

وبدأ الغرب يتداعى إلى بلدان العرب والمسلمين كما تتداعى الأكلة إلى مجتمعات أصبحت قابلة للاستعمار من أى دولة من دول الغرب، أياً ما كان مستواها الثقافى والعلمى كما قال مالك بن نبى.

والدرس المستفاد هنا أن توقف أى مجتمع عن التفاعل مع المجتمعات المحيطة به يعنى التكلس ومن ثم التراجع والتخلف.

وثالث أخطر ما فعلته الدولة العثمانية، بالذات فى آخر عهدها، أنها تخلت عن أعظم ما كان يميزها فى بداية عهدها وهو أنها لم تكن دولة رخوة تضع القوانين ولا تنفذها بسبب الفساد والمحسوبية، مثلما تعيش الكثير من مجتمعات العرب الآن. فعلى العكس من سليمان القانونى الذى وضع القواعد الإدارية للدولة العثمانية والتزم بها طوال حكمه لمدة 48 عاماً، فإن سلاطين آل عثمان اللاحقين عليه فقدوا حتى هذه المزية فى الوقت الذى انتشر فى الغرب حكم القانون والدستور بما يضمن تعدد مراكز صنع القرار وتمثيل فئات المجتمع بما أفضى إلى الديمقراطية الليبرالية كما يعرفونها اليوم.

وأضاع السلطان عبدالحميد فى نهاية القرن التاسع عشر فرصة عظيمة كى تدخل الدولة العثمانية عصر الديمقراطية الحقة حينما تراجع عن الدستور الذى أمر بوضعه، وكان حقيقة نقطة بداية مبشرة حيث أخذ الدستور العثمانى بفكرة الفصل بين السلطات وأوجد إلى جانب المحاكم الشرعية المحاكم المدنية التى تختص بالقوانين الوضعية، لكنه حل البرلمان بعد انتخابه وانحاز إلى النزعة الانفرادية فى السلطة.

وهكذا أسلمت الدولة العثمانية المجتمعات التى كانت تحت سيطرتها للاستعمار الغربى الذى أسهم بدوره فى تشويه الهوية الحضارية للمسلمين، ولكن ما كان أخطر هو نوعية القيادات التى تولت الحكم فى مرحلة ما بعد الاستقلال. 

arabstoday

GMT 07:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 06:31 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 06:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 06:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 06:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 06:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 06:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المحطة السادسة العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار المحطة السادسة العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
 العرب اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة  بالروسي

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab