حالة العرب فى عام 2016

حالة العرب فى عام 2016

حالة العرب فى عام 2016

 العرب اليوم -

حالة العرب فى عام 2016

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

هذه الفترة من تاريخ منطقتنا ستكون لها تداعيات طويلة المدى، ليس فقط على مستوى علاقة الفرد بالمجتمع، أو علاقة المجتمع بالدولة، وإنما كذلك علاقة دول المنطقة بعضها ببعض وبالعالم. إن الأحداث الكبرى على مستوى العالم وجدت دائماً تداعياتها على مستوى الشرق الأوسط أكثر من أى منطقة فى العالم. وإذا أخذنا الحرب العالمية الأولى كنقطة بداية فإن التاريخ يذكر أنها الفترة التى تم فيها تشكيل حدود المنطقة السياسية وتركيبتها السكانية التى ظلت معنا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. اتفاقات سايكس - بيكو، ووعد بلفور، وثورة العرب على الأتراك، ثم مؤتمر سان ريمون عام 1920 كلها أعادت تشكيل المنطقة على نحو جعل المنطقة العربية ممزقة بين بريطانيا وفرنسا وتنقسم إلى حدود لم تكن لتعبّر عن طموحات ساكنى المنطقة قدر ما كانت تعبّر عن مصالح المراكز الغربية فى أوروبا. حتى حين تخلّص العالم من النظام متعدد القطبية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى النظام ثنائى القطبية أثناء الحرب الباردة كانت المنطقة ساحة دائمة للصراع بين القطبين السوفيتى والأمريكى، وكانت المواجهات الكبرى تؤكد أن المنطقة لن تتشكل بقرارات أهلها وإنما بقرارات خارجة عنها. وحين دخلنا عصر الاستقلال فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم تنجح قوى الاستقلال فى أن تغير فى الحدود الموروثة عن الاستعمار بقدر ما رفعت شعارات القومية ومارست القُطرية فى أوضح صورها، وجعلت شعارات الأولى ثمناً لضمان استمرار الثانية. ومن هنا تحولت السيولة التى كانت عليها المنطقة فى أثناء الحربين العالميتين إلى حالة صلبة ولكن مشوهة لمجتمعات لا تنطبق عليها دولها تمام الانطباق، فنجد الكرد ممزقين بين خمس دول متجاورة، وكذا الأمر بالنسبة للبربر والدروز والقبائل المتجاورة جغرافياً والمنقسمة سياسياً.

ومع زمن الثورات العربية دخلت المنطقة فى حالة «تسييل للصلب» على نحو يهدد بقاء الدول الموروثة عن الاستعمار بنفس صيغها القديمة. العراق بعد الاحتلال، وفلسطين الممزقة بين حكومتَى الضفة والقطاع، والسودان الذى فقد ربعه الجنوبى، وليبيا، واليمن، وسوريا كلها حالات مرشحة لفقدان القدرة على الاستمرار بتركيبتها السياسية والحدودية المستقرة منذ الاستقلال بسبب ضغوط، بعضها داخلى فى أعقاب الثورات والانتفاضات والحروب الأهلية العربية، وبعضها خارجى بسبب تدخلات قوى إقليمية (إيران وتركيا) أو دولية (الولايات المتحدة وروسيا).

الثورات، بحكم التعريف، تسير فى واحد من ثلاثة مسارات: إما استبدال أشخاص بأشخاص (مثل حالة اليمن)، أو نظام بنظام (مثل حالة مصر وتونس)، أو بنية الدولة ببنية دولة جديدة (مثل حالة سوريا لو انقسمت البلاد). ولكن أسوأ ما فى بنية الدولة العربية أنه حتى تغيير الأشخاص أو إحلال نظام مكان نظام تكون له انعكاسات مباشرة على بنية الدولة. هذه التركيبة من المجتمعات العربية، باستثناءات قليلة مثل مصر وتونس، تجعل حرية المواطن وحقوقه فى تضاد مع استقلال الوطن ووحدته. العراق لن يكون العراق القوى والموحد فى مواجهة أعدائه فى المستقبل المنظور، والجيوش العربية التى تحولت إلى ميليشيات متقاتلة أو التى أصابتها جرثومة التمرد ستحتاج إلى إعادة تأهيل على مدى زمنى طويل، وفقدان المنطقة لمناعتها الضعيفة أصلاً ضد تدخلات القوى الإقليمية سيجعل المنطقة ساحة لصراعات إقليمية ودولية ستتحول فيها المنطقة من «مفعول به» إلى «مفعول مطلق». ومما يزيد الأمر تعقيداً أن نخب ما بعد الربيع العربى لم تصل إلى درجة التفاهم التى كانت حاضرة نسبياً فى مرحلة ما قبل الربيع العربى. قبل الربيع العربى كانت النخب متفقة على عدة قيم وعلى رأسها قمع الحركات الانفصالية والتعسف فى استخدام السلطة خشية التعسف فى استخدام الحرية ورفض الديمقراطية، وعداء القوى المحافظة دينياً. ومع الربيع العربى، سال الصلب وتفتت الجامد بكل ما فيه من عيوب، ولكن هذا ليس ضماناً لأن يكون المقبل بالضرورة أفضل إلا إذا نجحنا فى خلق ثلاث حقائق على الأرض: أولاً، أن تكون عملية بناء دولة ما بعد الربيع العربى قائمة فى الأصل على مصالحات وطنية جادة تأخذ فى الاعتبار أن فساد ما قبل الثورات كان درجات وأنواعاً، وليس من أراد الإصلاح فأخطأه كمن أراد الإفساد فأصابه. ثانياً، أن تُجدد دول الربيع العربى تعهدها بألا تتدخل فى الشئون الداخلية للدول التى لم يصبها هذا الربيع؛ فالدول التى شهدت ثورات وانتفاضات لم تقدم بالضرورة نماذج جيدة يمكن أن تحتذيها الدول والشعوب الأخرى. ولكن فى المقابل، على الدول غير الديمقراطية فى منطقتنا العربية أن تشرع فى الاستعداد لمرحلة ستطالب فيها الشعوب بحقوقها وحرياتها. ويكون هذا الاستعداد بقرارات إصلاحية متدرجة حتى لا يصيب الجمود تسونامى الانتفاضات المقبلة. ثالثاً، على دول الفائض الاقتصادى العربى أن تساعد الدول التى تعانى اقتصادياً حتى لا تتحول المعاناة الشعبية إلى البيئة الحاضنة للتطرف، الذى هو عادة المقدمة المنطقية للعنف الاجتماعى والسياسى، والذى ينتشر بسرعة فى المجتمعات المتشابهة ثقافياً. كتاب روبرت بيب «Dying to Win» يقدم قراءة مهمة فى الارتباط السببى بين المعاناة الاقتصادية وضعف الدولة من ناحية، والتطرف والعنف من ناحية أخرى. وهو ما لا يريده عاقل قطعاً. للثورات، كما لكل فعل جماعى بشرى نتائج مقصودة وأخرى غير مقصودة. وعلينا أن نجتهد فى الحد من الآثار غير المقصودة للثورات. وأخطر ما يواجه منطقتنا من تحديات هو أن العروش كانت تستند إلى الجيوش فى استدامة الاستبداد. والثورة ضد العروش اقتضت الثورة ضد الجيوش فى الكثير من دول منطقتنا. والجيش ليس مجرد جنود يحملون أسلحة، وإنما جوهره هو «الجندية» التى تخلق ضمن ما تخلق الولاء للدولة وليس للقبيلة أو العرق أو الدين. وتحول بعض جيوش المنطقة إلى ميليشيات متقاتلة وضعف تماسكها الداخلى وتراجع صورتها الذهنية كمؤسسة وطنية يعنى ضمناً أن صلابة المؤسسة، ومعها صلابة الدولة التى تحويها وتحميها، أصبحت موضع شك. أزعم أن منطقتنا تعيش اليوم ما عاشته دول غرب ووسط أوروبا بعد الثورة الفرنسية وما نتج عنها من خريطة جديدة. كان ولا يزال أملى أن تكون لنا قدرة أكبر على قراءة التاريخ والتعلم منه، ولكن تبدو النخبة المصرية (سواء المثقفة أو السياسية) لى وكأنها تعانى من مرض خطير وهو «النرجسية المعرفية» بمعنى رفض الاستفادة من خبرات الآخرين أو الاستفادة من النظرة النقدية لتاريخنا. انقسم العرب إلى ثلاثة أنواع: هناك دول الاستقرار المحفوف بالمخاطر مثل دول الخليج والأردن والجزائر والمغرب، وثانياً هناك دول التحولات الراديكالية مثل مصر وتونس، وثالثاً هناك الدول الفاشلة أمنياً مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال ولبنان. حالة السيولة والتفتت التى نعيشها تتطلب منا جهداً استثنائياً من الدول الأكثر استقراراً لمساعدة دول التحولات الكبرى. الارتفاع بأسوار البيت لن يمنع التصدع المقبل من دول الجوار. 

مطلوب مشروع مارشال عربى ضخم لإصلاح الدولة ودحر الإرهاب وبناء علاقة سليمة بين المواطن والدولة. واستعادة مصر لقدرتها على أن تكون لاعباً إقليمياً مهماً ستساعد كثيراً فى إعادة الاستقرار للمنطقة.

المصدر : صحيفة الوطن

arabstoday

GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حالة العرب فى عام 2016 حالة العرب فى عام 2016



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:02 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025
 العرب اليوم - ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab