طه حسين أهم من أن يُنسى

طه حسين أهم من أن يُنسى

طه حسين أهم من أن يُنسى

 العرب اليوم -

طه حسين أهم من أن يُنسى

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

أحسن الأستاذ إيهاب الملاح صنعاً بما كتبه عن الدكتور طه حسين باعتباره أحد الآباء المؤسسين للفكر السياسى المعاصر. يقول إيهاب:

قيمة طه حسين الكبرى، فى ظنى، أنه استطاع فى لحظة مبكرة فى السنوات الأولى من القرن العشرين إدراك لب الأزمة التى يعانيها مجتمعنا؛ مجتمع يحيا مشكلات عالم قديم فى زمن حديث، أدرك طه حسين أننا ندق على أبواب العالم الحديث، ظاهرياً، ونحن محمَّلون حتى النخاع بقضايا وهموم عالم مضى وانتهى.. فى مقدمته لكتاب أستاذه الإيطالى «كارلو ناللينو» عن تاريخ الأدب العربى، وبأسلوبه التحليلى، يقارن طه حسين بين طرائق التعليم فى الأزهر، آنذاك، من قراءة وتلقين واجترار للقديم، وبين ما تلقّاه فى الجامعة على يد الأساتذة الأوروبيين:

«ويجب أن يتصور القراء من الشباب المعاصرين حياة أولئك الشيوخ الشباب من طلاب الأزهر فى أول القرن، فإذا كان المساء جلسوا إلى أساتذتهم أولئك من الأوروبيين، فسمعوا منهم أحاديث لا عهد لهم بمثلها تُلقى عليهم باللغة العربية الفصحى مع شىء من التواء الألسنة بهذه اللغة، فتقع تلك الأحاديث من آذانهم موقع الغرابة، ومن قلوبهم مواقع الماء من ذى الغلة الصادى، فإذا خلوا إلى أنفسهم بعد ذلك وازنوا بين ما يسمعون وما يرون أول النهار، وما يسمعون وما يرون آخر النهار. وكانوا يسألون أنفسهم كيف أتيح لهؤلاء الأوروبيين ما أتيح لهم من العلم بأسرار اللغة العربية ودقائق آدابها، وكيف لم يُتح هذا النوع من العلم لشيوخهم أولئك الأجلاء».

الذى لم يستطع أن يستوعبه المحافظون وقتها، وحتى الآن، فكرة «المنهج» أو لوازم «البحث العلمى» المعاصر. فكرة أن تعيد تأمل وفحص الطريقة التى تفكر وتنظر بها للأمور والقضايا الكبرى، وتتأمل العالم المحيط بك من جوانبه المتعددة، أن تكون قادراً على امتلاك النظرة النقدية اللازمة للمراجعة والفحص وطرح السؤال. ورغم بساطة الفكرة بل حتى بديهيتها ما زالت تلك أزمتنا الكبرى حتى اللحظة!

مثّلت حياة طه حسين (1889-1973) سعياً دءوباً ومتجدداً لتجاوز التخلف وتأصيل قيم التقدم على أساس من الانتماء الثقافى والتفاعل الحضارى. كانت حياته منذ مولده وطفولته المبكرة زاخرة بالتحديات، وكان التغلب عليها نموذجاً ومثالاً لكل الأجيال. ظهرت على طه حسين بدايات التمرد الفكرى والقلق الروحى والثورة الأدبية والفنية التى جعلت منه محطم أوثان أهل هذا الزمان، فى الفترة (1900-1910). كانت هذه فترة صدامه الأول مع المؤسسة الفكرية الروحية والأدبية والاجتماعية والسياسية الذى جعله ينشق على بيته الكبير، الأزهر، ويطلب العلم الجديد والمنهج الجديد والقيم الجديدة فى تلك الجامعة الجديدة التى استقطبت مثقفى عصره، الجامعة الأهلية نواة الجامعة المصرية التى تأسست فى 1925، وغدت فيما بعد جامعة القاهرة.

وتفتّح عقل طه حسين الشاب على علوم وفلسفات ومناهج فى البحث والتفكير غير ما كان يلقن فى دراسته التقليدية بالأزهر. فكان ذلك مصدر هذا القلق النفسى والصراع الفكرى والاحتجاج الجدلى الذى نجد صوته فى كتابه (الأيام). وهكذا ترسبت فى ذهن هذا الشيخ الناشئ الثائر فكرة «الثقافة»، وفكرة «المعاصرة»، وفكرة «التجديد»، وفكرة «الأدب للحياة».

ودخل طه حسين مرحلة تكوينه الثانى فى الفترة (1910 - 1920)، مرحلة التخصص والعلم العالى. بدأت هذه المرحلة بدخوله الجامعة القديمة، حيث درس على يد المستشرقين وأساتذة الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع، واتصل اتصالاً مباشراً بالعقلية الأوروبية وبالفكر الأوروبى، فتعلم من الأوروبيين مناهج البحث وطرح الأسئلة والإجابة عليها.

ثم دخل طه حسين مرحلته التكوينية الثالثة فى العشرينيات (1920 - 1930) وهى مرحلة نضوج. ولم يكن نضوجه العلمى أو نضوجه الفكرى أهم ما فيه، وإنما كانت أهم سمات هذه المرحلة هى نضوجه الوجدانى. لقد عرف طه حسين أن له رسالة، وأن عليه تكليفاً هما قيادة المثقفين المصريين والعرب عامة فى اتجاه العقلانية والحرية الفكرية، وبناء قاعدة من المثقفين عريضة وراسخة يمكن أن تقود مصر والرأى العام.

لقد كان طه حسين يحلم بمصر «وقد أظلها العلم والمعرفة، وشملت الثقافة أهلها جميعاً، وشاعت فيها حياة جديدة، وأصبحت جنة الله فى أرضه حقاً يسكنها قوم سعداء ولكنهم لا يؤثرون أنفسهم بالسعادة وإنما يشركون غيرهم فيها، وأصبحت مصر كنانة الله فى أرضه حقاً يعتز بها أقوام أعزاء، ولكنهم لا يؤثرون أنفسهم بالعزة، وإنما يفيضون على غيرهم منها».. إنه الرجل الذى أحضر لنا الشمس والنور مع أنه عاش حياته كلها فى الظلام!

فى يوم من الأيام كان على رأس وزارة المعارف المصرية (التربية والتعليم) رجل بقيمة طه حسين، يتحدث عدة لغات، وصار عمق ثقافته وشمولها وإحاطتها، العربية والأجنبية معاً، مضرب الأمثال والأيام، يمتلك الرؤية والبصيرة والاستراتيجية، لم يكن طه حسين يخطئ فى الإملاء، ولم يكن عاجزاً عن التعبير ولا الإفصاح، حُرم نعمة البصر لكنه مُنح نعمة الإنسانية والمعرفة والرقى.. كان طه حسين تجسيداً ساطعاً لأهمية أن «نتعلم» و«نتثقف» يا ناس!

arabstoday

GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طه حسين أهم من أن يُنسى طه حسين أهم من أن يُنسى



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين
 العرب اليوم - حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تشارك في دراما رمضان 2025 بـ 3 مسلسلات
 العرب اليوم - سوسن بدر تشارك في دراما رمضان 2025 بـ 3 مسلسلات

GMT 16:39 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على صحة الدماغ

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 20:19 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنان جمال سليمان يبدي رغبتة في الترشح لرئاسة سوريا

GMT 18:20 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار الأسد يصل إلى روسيا ويحصل على حق اللجوء

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

480 غارة إسرائيلية على سوريا خلال 48 ساعة

GMT 22:09 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

داني أولمو مُهدد بالرحيل عن برشلونة بالمجان

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الكينية تسجل 5 حالات إصابة جديدة بجدري القردة

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

استئناف عمل البنك المركزي والبنوك التجارية في سوريا

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزير الدفاع الكوري الجنوبي السابق حاول الانتحار في سجنه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab