لا مصر جديدة إلا بإنسان مصري جديد

لا مصر جديدة إلا بإنسان مصري جديد

لا مصر جديدة إلا بإنسان مصري جديد

 العرب اليوم -

لا مصر جديدة إلا بإنسان مصري جديد

معتز بالله عبد الفتاح

لا توجد سياسة عامة ناجحة إلا وتبدأ بالإجابة عن أسئلة: «ما الذى نريد تحقيقه بالضبط؟ وكيف نحققه؟ وفى أى إطار زمنى؟ وبأى تكلفة؟»

ولا يمكن إنجاح التجربة التنموية التى نتمناها إلا بـ«إعادة هندسة الشخصية الوطنية المصرية» (Re-engineering the Egyptian national character).

ولن أفيض فى الدراسات العديدة التى أجريت فى الكثير من دول العالم على فكرة «الشخصية الوطنية» وكيف أنها إما أن تكون داعمة لمشروعات النهضة أو خصماً منها، ولكن سأكتفى بالتأكيد على أن شرط الثقافة الداعمة للنهضة شرط ضرورى، حتى وإن لم يكن كافياً بذاته لإحداث النهضة. وغياب ثقافة النهضة يعنى ببساطة أنه لا نهضة.

ولنكون أكثر تحديداً، فلنأخذ مشروع قناة السويس الجديدة مثالاً، فمن الواضح أن القائمين عليه يعلمون ماذا يريدون: ما طول القناة الجديدة؟ وما عرضها؟ وما عمقها؟ ومن أين تبدأ؟ وأين تنتهى؟ والمدى الزمنى وهناك تصور عام عن التكلفة.

ولكن المعضلة التى تواجهنا هى أننا لا نعرف «المصرى الذى نريد». ما شخصيته؟ ما موقفه من العلم والعمل؟ هل هو إنسان منغلق على ذاته يظل يتغنى بأمجاد الماضى أم لديه شعور دائم بالغيرة أن هناك من سبقنا فى معظم ميادين العمل العام؟ هل هو منفتح على العالم الخارجى يجيد لغة واحدة على الأقل على النحو الذى يجعله يعرف ما الذى يدور حوله أم هو يرى أن «الفرنجة الملاعين» على رأى جدنا الجبرتى يريدون «بالأمة سوءاً» وبالتالى يكون الأفضل هو اعتزال الخارج ما استطاع إليه سبيلاً؟

هل هو مؤمن بالتعددية الدينية سواء بين الأديان أو داخل الدين الواحد ومتعايش مع هذه التعددية وكأنها جزء من فطرة الله التى فطر الناس عليها؟ هناك من يتحدث إلى الله باللغة الإنجليزية وهناك من يتحدث إليه باللغة الفرنسية، وهكذا. وهناك كذلك من يؤمن بالله على الشريعة المسيحية وهناك من يؤمن بالله على الشريعة اليهودية وبنص القرآن الكريم «لكل جعلنا شرعة ومنهاجاً». إذن هكذا أراد الكون ربُ الكون.

هل نريد مصرياً مسلماً يعتقد بأن المسيحى واليهودى كافران بالله، أم يعتقد أن المسيحى واليهودى ليسا كافرين بالله بدليل أن القرآن الكريم وصفهم بأنهم «أهل كتاب» ولكن يكون وصف الكفر منطبقاً على كل من يؤمن بدين مخالف بمعنى أنه «كافر بالدين الآخر». فلا نقول إن مسيحياً كافر بالله أو يهودياً كافر بالله، وإنما هو يكفر (أى ينكر) الإسلام. وهذا من طبائع أى دين، أنه فى حدود ما هو مكتوب فى كتبه التى يؤمن بها أتباعه، أنه الدين الحق وأنه الدين الخاتم.

هل نريد مصرياً مؤمناً بأن العمل حق والعمل واجب؟ أم نريد مصرياً مقتنعاً بأن «قيراط حظ ولا فدان شطارة؟» هل نريد مصرياً يرى أمامه نماذج ناجحة فى العلم والطب والهندسة والمهن الحرفية من سباكة ونجارة ونقاشة أم فقط الإبداع يكون فى الفن والغناء والرقص ولعب الكرة؟

هل نريد مصرياً يشعر بملكيته لوطنه ولحقه فى أن يشارك فى تقرير مصير هذا الوطن وواجبه فى أن يحميه أم هو ساكن بالمصادفة البحتة على تلك القطعة الجغرافية المسماة جمهورية مصر العربية، التى لا يعبأ بمصلحتها ولا مصلحة أهلها ويضيع مقدراتها لأنه «مال حكومة» لا يخصه؟

لو اتفقنا على الخطوطة العامة لطبيعة شخصية الإنسان المصرى الذى نريده بعد عشر سنوات من اليوم، فستكون هذه هى بوصلة الدولة «حكومة ومجتمع مدنى» فى بناء هذا الإنسان وإمداد شخصيته بما يعينه على حسن الاختيار لاحقاً.

هذه ليست دعوة لمسخ الشخصية المصرية وفقاً لما تريده سلطة ما، وإنما هى دعوة للارتقاء بالشخصية المصرية مثلما نجحت ماليزيا فى ظل مهاتير محمد فى أن تجعل قضية مثل النظافة وقضية مثل الانضباط وقضية مثل الإتقان فى قمة أولويات الإنسان الماليزى؛ كان الإنسان الماليزى الجديد هو القادر على صنع ماليزيا الجديدة.

القضية ليست فى أن نمد المدن الجديدة بالمياه والإنسان المصرى يعتبره «ماء الحكومة» فيهدره وكأنه لا قيمة له. بناء الإنسان مقدمة ضرورية لبناء البنيان.

ملامح الإنسان المصرى الجديد هى التى ستحدد لوزارة التعليم ما الذى عليها القيام به فى مقرراتها، وهى التى ستحدد للإعلام ما الذى عليه أن يهتم به خدمة للوطن وليس فقط وفقاً لاعتبارات المكاسب المالية، وهو الذى سيحدد للدعاة والفقهاء كيف يستخدمون فقه الأولويات الذين هم به عالمون، وسيحدد لمنتجى الخدمات الثقافية من أغان وأفلام ومسلسلات التوجه العام الذى يجعله إعلاماً يجمع بين الترفيه والتنوير.

هذه هى الأجنحة الأربعة لصناعة «المصرى الذى نريد»: التعليم، الإعلام، الخطاب الدينى، المنتج الثقافى.

ولكن ما خصائص المصرى الذى نريد؟

ولو كان لى أن أفتح باب النقاش حول خصائص المصرى الذى يمكن أن ينهض بمصر فى مستقبلها فيمكن لى أن أضعها فى العشر نقاط التالية.

1- مواطن مؤمن بأن قوانين الكون والطبيعة لا تكافىء أحداً إلا إذا أخذ بأسباب العلم والتقدم، وليس بالاتكالية أو التواكلية أو الركون للغيبيات التى تدفع إلى التكاسل.

2- مواطن مؤمن بأن القانون ينبغى أن يكون فوق الجميع، وأن المساواة بين الجميع أمام القانون أصل من أصول استقرار وازدهار الدولة.

3- مواطن مؤمن بأن القضاء المستقل ضمانة لاستقرار العدل والمجتمع.

4- مواطن مؤمن بأن العلم والتعلم والتعليم ومواكبة التطورات العلمية هى طريقه نحو غد أفضل على المستويين الشخصى والوطنى.

5- مواطن مؤمن بحق الآخرين فى أن يختاروا دينهم وأن يختاروا معتقداتهم فى حدود الدستور والقانون.

6- مواطن مؤمن بأن مصر هى وطن المصريين فقط ولا يجوز الاستقواء بالخارج ضد أهلها تحت أى ظرف من الظروف.

7- مواطن مؤمن بأن نظافته الشخصية ونظافة بيته وعمله وبيئته التى يعيش فيها حق له وواجب عليه.

8- مواطن مؤمن بأن انتماءه لأى جماعة أو حزب أو قبيلة أو منطقة جغرافية أو مهنة أو ناد رياضى يأتى فى مرتبة تالية لانتمائه لمصر.

9- مواطن مؤمن بأن إتقانه لمهنته واجب عليه لأنه مسئول أمام الله والمجتمع عما هو مكلف به.

10- مواطن لا يفسد ولا يُفسد ولا يقبل الفساد، بل يسعد ويساعد الآخرين من أجل السعادة كعيش مشترك.

ولزرع القيم السابقة فى عقل الإنسان المصرى ولكى تصبح جزءاً من تكوينه الشخصى فلا بد من أن تأتى الرسائل الاتصالية المختلفة «إعلامية وتعليمية ودينية وثقافية» لتدفع فى نفس الاتجاه، وبغير هذا فسنكون كمن يتصور أن المال أو المشروعات الاقتصادية وحدها ستصنع النهضة، فكم من دول تكون ثروتها بسبب موارد طبيعية كثيفة ولكن شخصية وطنية ضعيفة، ودول أخرى لا تعتمد على الموارد الطبيعية ولكنها تعتمد على قوة الإنسان وقدرته على أن يصلح من واقعه.

هى محاولة قد تفتح باباً لنقاش جاد حول نهضة حقيقية، ولنتذكر أنه لن نصل إلى مصر الجديدة دون إنسان مصرى جديد.

arabstoday

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 09:28 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 09:27 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 09:25 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أنا المدير.. أنا لست جيدًا بما يكفى

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:19 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 09:17 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 09:16 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا مصر جديدة إلا بإنسان مصري جديد لا مصر جديدة إلا بإنسان مصري جديد



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:54 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 العرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 09:47 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 العرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:28 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 العرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab