بقلم - سحر الجعارة
هل كان لا بد أن تُذبح «نيّرة أشرف» على أسوار الجامعة لنفزع وننتفض ونغضب ونطالب بإغلاق «أبواق التحريض» على كراهية النساء وتحقيرهن والحض على العنف ضدهن.. وإرهاب «غير المحجبات»؟
تُرى كم «نيّرة» يجب علينا أن نقدم قرباناً لأصنام غوائية التدين وبهلوانات السوشيال ميديا من المهرجين والأفاقين/ الأفاقات الذين ينهشون أمن الوطن وسلمه الاجتماعى ليفوز أحدهم باللقب «مؤثر» أو يحصد الآخرون ملايين الدولارات من فيديوهات الهزل والسخرية التى تتناول أعراض النساء دون حياء تحت لافتة «لا حياء فى الدين»... كم «نيّرة» يجب أن تموت ليعتزل «داعية»؟!
لم يكتف «مبروك عطية» بوفاة «هايدى وبسنت» عقب جرائم ابتزاز إلكترونى تعرضتا لها.. لم يكتف بالدماء الزكية لنيّرة التى يجب أن يصمت أمامها إجلالاً كل إنسان.. لكنه قرر أن الفرصة مواتية لشق الصف الوطنى وتمزيق النسيج الاجتماعى، ورفع صوته الجهور ساخراً متهكماً على نساء مصر «غير المحجبات».. فى مشهد أقل وصف له هو سلخ الضحية وتمزيق جثتها باتهامات باطلة مزيفة.. إنها ضحية «حب من طرف واحد» زرعه وكرّسه مفهوم «الذكورة المشوه» الذى أعطى للشاب حق امتلاك الأنثى بالقوة والقهر (سجل مبروك لا يخلو من هذا).. وعلى عكس ما أراد «مبروك» ثار المجتمع ذعراً فكأننا فى مواجهة «فامبيرز - مصاصى دماء».. يتحدثون بالتهديد والوعيد ويروّعون النساء الآمنات ويمزقون سترنا: إنه بحسب دار الإفتاء «حديث فتنة». أنا أحاول جاهدة ألا أكرر ما قلته وكتبته، وما يمكن أن أصف به «المبروك» الآن.. سأكتفى بما ورد فى بلاغ «المجلس القومى للمرأة» المقدم إلى المستشار «حمادة الصاوى»، النائب العام، فقد ارتكب «عطية» جرائم عديدة سوف أشير لبعضها: المادة 26 من قانون العقوبات، والتى تعرّف الإرهاب بأنه (يُقصد بالإرهاب فى تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجانى تنفيذاً لمشروع إجرامى فردى أو جماعى، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر).. ما ذكرته فى مداخلتى مع الإعلامى «أحمد موسى»، على قناة «صدى البلد» من أن «مبروك إرهابى» لم يكن تجنياً عليه ولا مبالغة ولا تهويلاً منى.. هذه التهمة الآن موجهة له فى بلاغ رسمى.
وفى نفس البلاغ «عطية» متهم بالاعتداء على الدستور (مادة 89 ب)، إثارة الفتنة (مادة 102)، التمييز ضد طائفة بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة (مادة 161 مكرراً)، التحريض على العنف، إلى آخر مواد قانون العقوبات التى تجرّم ما فعله.. وأضف إليها مواد القانون 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة تقنية المعلومات.
نحن أمام حالة مجتمعية معكوسة، فبدلاً من أن يكون الداعية دوره نشر التسامح والخير قرر أن يقسم النساء إلى قسمين «محجبات آمنات».. و«غير محجبات» إن لم ترتد إحداهن «القفة» فيمكن قتلها (نسى أن هذا البلد فيه «تعددية دينية»).. هل تتخيل حال المسيحيات فى مصر الآن وكم الإرهاب الذى تعرّضن له.. لقد حاول «مبروك» جرّنا إلى أرضية دينية، واستعداء جمهور مشاهديه على النساء مستخدماً «الحجاب» وهى تهمة أخرى «التكفير».. وحاول النيل من كل امرأة عارضته باللعب بالحجاب دون أى خجل فقط ليُظهرنا أمام المجتمع «علمانيات كافرات» وهى لعبة قديمة وسخيفة ومكشوفة.
وحين تراجع وسجل فيديو آخر كرر ما قاله بالنص ليرهبنا بالحجاب.. وهى قضية خلافية بين العلماء، وقد حسمها شيخ الأزهر بقوله إن تركه لا يُخرج من الملة.. نعم الحجاب ليس الركن السادس فى الإسلام وهناك آراء عديدة تقول إنه ليس سنة ولا فرضاً.. كل ما قاله شيخ الأزهر أن تركه «معصية».. لكن فرض الحجاب على طريقة طالبان أو شادور إيران.. ليس قمة العبث فحسب، بل هو تهديد حقيقى للسلم العام.
لم يمهلنا «مبروك عطية» لنحزن، ونودع الفراشة الرقيقة «نيّرة»، لقد خطف الأضواء والكاميرات حتى فى العزاء الجماعى ليلطم ويندب على «سبوبة الفيديوهات والفضائيات».. كفانا قهراً وسادية وفاشية من أجل «طرحة»: روح يا شيخ «الله لا يبارك لك».