بقلم - سحر الجعارة
الفكر الدينى- التنويرى أحد مقومات «القوة الناعمة» لمصر، إنه يمد العالم بقوة روحية إيمانية، وهو أيضاً «أداة إصلاح وتغيير».. ما شهدناه فى السعودية من تغيير هو من تأثير نخبتها السياسية المثقفة الواعية.. التى تؤمن بالحداثة والمدنية والعولمة: نعم الفكر الدينى يحدث حراكاً سياسياً.
هكذا يمكن وضع الهجوم الشرس على الأستاذ الدكتور «سعد الدين الهلالى»، أستاذ الفقه المقارن، فى مكانه الصحيح: إنه مقاومة من القوى الرجعية من أصنام «الكهنوت الدينى» لفكرة «تحرير الإنسان» التى يلح «الهلالى» فى طرحها: «إكراماً للإنسان».. الفتوى أمر شخصى، ومقتضى التكريم الإلهى أن الإنسان يختار فهم دينه على الوجه الذى يرضيه وليس على النحو الذى يرضى شيخه.. وقد حسم الرسول، عليه الصلاة والسلام، الأمر: (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك).. هذه الكلمات للدكتور «الهلالى» وهى العنوان الرئيسى لمشروعه الفكرى، وهى التهديد الرئيسى لسطوة الكهنة على البشر وما يستتبع تقديسهم من ثروات ومناصب وشهرة.
لقد غرقنا سنوات فى «الاحتلال الفقهى» لعقولنا، وتهنا تحت هيمنة الوكيل الحصرى للحديث باسم المولى عز وجل والوصاية على الإسلام وبالتالى على المجتمع، والذى أخذ يناطح الدولة فى سلطاتها وقوانينها، والأدهى من ذلك بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فهذا مسلم وذلك مسيحى والآخر شيعى أو أشعرى.. إلخ.
وإذا بنا فى قلب هذه الفوضى نجد الدكتور «سعد» يقول لنا: هل الفتوى وهل الدين هو الحاكم للشعب.. أم أن الدين حاكم للإنسان على نفسه والقانون يحكمنا؟.. هتعمل لى «ولاية الفقيه نفذ تجربة إيران ببساطة».. وقل للشعب اتركوا القانون واذهبوا لهذه الجهة!
هذا هو جوهر الصراع: جبهة مدججة بالمناصب الرسمية والتمويل السخى والاحتكار الحصرى للإسلام.. مقابل «رجل» يحرر الإنسان من سطوتهم وسلطتهم المطلقة ببساطة: «استفت قلبك».. المعركة ليست حول الحجاب أو تعدد الزوجات أو الاغتصاب الزوجى والطلاق الشفهى إلى آخر التشوهات الاجتماعية المترتبة على بيزنس الفتاوى.. المعركة هى أن يظل الإنسان فى خانة «التابع المطيع» أو يتحرر من سلطة الكهنوت «احتراماً لعقله» وتكريساً لمهمة الضمير وتفعيلاً للأوامر الإلهية: (اقرأ.. لعلهم يتفقهون.. لعلهم يتفكرون).
نشر الدكتور «الهلالى» مؤخراً على صفحته بالفيس بوك رداً مطولاً على المهاجمين أقتبس منه بعض العبارات: (أفضل رد عليهم هو الاستمرار فى الصدع بكلمة الحق التى توجعهم.. وكلمة الحق هى: أن النص القرآنى والنبوى الصحيح الثبوت مقدس.. أما فهم هذا النص فهو فقه بشرى ليس مقدساً وهو قابل للتغيير والتعديل).
لقد كتبت كثيراً أن التراث الدينى هو المادة الخصبة للدجل والتلاعب بالبشر، بما فيه من مرويات ضعيفة ومكذوبة وإسرائيليات.. لكنه ثلاثة أرباع الدين ومنه تجرأ «عباس شومان» ذات يوم على منح سلطة القضاء للإخوانى «محمد مرسى».
يجب علينا أن نفرق بين الإسلام السياسى الذى مكن الإخوان ذات يوم من حكم مصر، وبين مشروع «الرشد الدينى» الذى يقدمه الدكتور «سعد» للمسلم، والذى يقول عنه: (الإنسان له رشد دينى مثلما له رشد مالى، ولذلك يجب عليه أن يبحث ويتثقف فى أمر دينه.. وهو يبدأ بالتمييز بين الصلاح والأصلح.. وهو ما يحتاج إلى متطلبات حضارية لاكتمال السيادة الإنسانية وتحمل المسئولية، وتذوق حلاوة الإيمان وتجويده.. لنصل إلى الاندماج الشعبى بالتشابك الفطرى، والاجتهاد الإنسانى، دون عقبة الفتاوى الطائفية). ويدعو الدكتور «الهلالى» إلى تصحيح مسار الخطاب الدينى من الإدارة بالفتاوى المسببة للأمية والاستعباد إلى التعليم بالفقه والتفسير المقارن، كما يدعو لتحقيق العدالة الدينية، وإنهاء التمييز فى الدنيا بالدين والجنس.
لكنهم يريدونه ديناً طائفياً، يمارس خلاله المسلم «الاستعلاء الدينى» على الآخر، ويستعبد فيه الرجل المرأة.. إن خطابهم الدينى عدائى كاره للجميع عدا وكلاء الله على الأرض.. حين تستمع لمفرداتهم تستعجب: (أهل الذمة، الجزية، الأمة.. إلخ).
عندما نقول إن التنوير يبدأ من إصلاح الخطاب الدينى فنحن نراهن على عدة أشخاص على رأسهم الدكتور «سعد الدين الهلالى»، ونثق فى أن جماهيريته والهجوم الشديد عليه تعنى أنه أوجعهم وأصاب الهدف.. إنها بداية سقوط الوصاية الدينية على البشر: «التنوير قادم».