بقلم - كريمة كمال
شاهدت برنامجًا تليفزيونيًا يناقش قضية إزالة مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعى والبساتين والسيدة عائشة، وهى أقدم مقابر إسلامية فى المنطقة.. ومن تابع منا ما يحدث من إزالة، وشاهد روعة وجمال المقابر وتفرُّدها المعمارى، هذا غير أنها تضم رفات شخصيات خالدة فى تاريخ مصر بل المنطقة، لأدرك فداحة الخسارة التى ستحلّ بنا إذا ما أزيلت هذه المقابر الأثرية.
المشكلة أن هذا البرنامج التليفزيونى جاء بمتحدثين ليقرروا هل هذه المنطقة تعتبر فى عُرف الدولة آثارًا أو أنها ليست آثارًا، ومن هنا يمكن إزالتها.. قال المسؤول إن المنطقة يمكن أن تعد آثارا، لكنها لم تسجل كأثر.. وهنا فهى ليست آثارا.. وهذه مشكلة وخطأ لمن يقم بتسجيلها.. أى أن الأمر فى النهاية ليس تاريخا موجودا ويتحدث عن نفسه، بل المشكلة مشكلة أوراق.. والآثار هى فعلا آثار، لكن طالما لم يتم تسجيلها فيحق إزالتها بالبلدوزر، ولا يتساءل أحد إذا ما كان المسؤول قد أخطأ فما ذنب الأثر التاريخى النادر، بل ما ذنبنا نحن أن نفقد قطعة من تاريخنا تساوى الكثير ونريد لها أن تبقى ذكرى للأجيال القادمة؟!.
هكذا يفكر البعض فى بلدنا؛ لمجرد أن الأثر الذى يتحدث عن نفسه والذى يوجد منذ مئات بل آلاف السنين لم يسجله أحد كأثر يصبح ليس أثرا، ويحق للبلدوزر أن يمحوه عن الأرض.. المشكلة مشكلة أوراق وليست مشكلة تاريخ يجب الحفاظ عليه، بل تطويره والاستفادة منه كمنطقة سياحية للسياحة الدينية.. لقد أُهملت هذه المنطقة سنوات طويلة وتُركت لتصبح مساكن عشوائية وأماكن لتعاطى المخدرات، وأصبح الإهمال والتقصير المسوغ للإزالة، وليس أن يوضع حد لهذا الإهمال والتقصير الذى استمر طويلا.
خرج فى نفس البرنامج فى اتصال من الخارج أحد المتخصصين المعماريين، وطرح حلولا إنشائية دون إزالة ودون المساس بالمنطقة الأثرية.. هناك دائما حلول بديلة إذا ما استمعنا إلى المتخصصين الذين يعنيهم فى المقام الأول الحفاظ على التراث والإبقاء على أماكننا التاريخية.. الأولوية يجب أن تكون للتاريخ.. تاريخنا وتاريخ أجدادنا ميراث أولادنا، ما يدل على ما كنا عليه.. أما أى عملية تطوير، فهى يمكن أن تتم دون التضحية بهذا التاريخ وهذا الأثر الذى لا يعوض.. من هنا فأنا أقول يجب ألا يترك التاريخ للذين يتصرفون طبقا للأوراق.. الأوراق تقول إنه أثر.. إذن فهو أثر.. الأوراق لا تثبت أنه أثر إذن هو ليس بأثر ويمكن للبلدوزر أن يتقدم.. عقلية الموظفين هى من منعتنا حتى الآن من الاستفادة الحقيقية من آثارنا ومناطقنا التاريخية..عقلية الموظفين التى تحكمها الأوراق ولا تحكمها القيمة الحقيقية هى من أوصلتنا إلى عدم الاستفادة من كل معالم تراثنا، فالموظف لا يعنيه سوى تستيف أوراقه ولا يعنيه سوى إلقاء المسؤولية على الآخر وإبعادها عن كاهله وكفى، هو يعنيه فقط «تم تسجيلها» أم «لا».. فهل نتوقف جميعا مع هذا الموظف ونترك البلدوزر يعمل، أم نتحرك لحماية تراثنا وتاريخنا لأنه حق لنا ولأبنائنا؟!.. لا تتركوا التاريخ للموظفين واستمعوا لصوت المختصين