مـا مـن دم يـعـادل دمـاً

"مـا مـن دم يـعـادل دمـاً"

"مـا مـن دم يـعـادل دمـاً"

 العرب اليوم -

مـا مـن دم يـعـادل دمـاً

حـسـن الـبـطـل

أرق ما قرأت، على الفيسبوك، عن الموت البشع والبربري للفتى محمد ابو خضير، هو ما قاله د. فضل عاشور، طبيب الصحة النفسية في غزة: "شعرت من صورة الفتى الجميل محمد ابو خضير انه ابني"!.
د. فضل ليس أي طبيب، وطبيب نفسي وفي غزة، فقد كان مقاتلاً على محور خلدة - بيروت إبان الاجتياح، ومن الناجين القلائل من معركة ضارية استشهد فيها قائد المدفع، ومعظم رفاقه.
أعمارنا المتقاربة، وشهودنا على حرب الاجتياح ١٩٨٢، تجعلني أحس بما أحسه من رقة شعور وعمق تعبير .. ووعي سياسي ايضاً.
أيضاً، ومن الجانب الآخر، قبل يوم من مصرع محمد الذي سيذكر بمحمد الدرة!، كتب أفيعاد كلاينبرغ في "يديعوت" عن موت ثلاثة اسرائيليين: "الدم المسفوك يتكلم ثلاث لغات: "العبرية والعربية.. والموت"، لكن خلاصة تعليقه المعنون "لا تعطوا حماس ذخيرة" كان: "إن الارهاب، مهما يكن قبيحاً، لن يجعل دولة اسرائيل تنهار .. لكن استمرار الاحتلال سيفعل ذلك".
* * *
لعل أهم ما أثار مشاعري في روايات الاختطاف (فالقتل والحرق) ليس أنه جرى قبل اداء الفتى فريضة صلاة الفجر، لكن في قول صديق له: سبقته الى المسجد بدقائق، بينما كان يقف قرب محل والده، ليدخن سيكارته قبل دخوله المسجد.
انها سيكارته الأخيرة، وفي بعض العادة أن المحكومين بالاعدام من يطلبون سيكارة اخيرة قبل تنفيذ الحكم. هؤلاء مجرمون .. وهذا فتى صغير وبريء ذاهب لصلاة الفجر بعد السحور.
ربما أعرف لماذا رقّت مشاعر د. فضل، لأن صورة الفتى المغدور، معتمراً طاقية كانت أقرب الى غلام بصورة فتى الكشافة.
نطقت أم الفتى نفتالي، أحد الاسرائيليين الثلاثة المغدورين بكلام حق عن مصرع محمد: "لا فرق بين دم ودم. القتل هو قتل.. لا مغفرة ولا كفارة على أي قتل".
صحيح، ما من دم يعادل دماً: مع ان فيلسوف العنف فرانز فانون (كاريبي شارك في ثورة الجزائر) رأى ان عنف الشعب الواقع تحت الاحتلال يسفك من دمه ودم المحتل، شيئاً مكافئاً من العرق والمهانة المسفوحة بفعل جرائم الاحتلال.
من هنا، نصل الى خلاصة مقالة كلاينبرغ: "الارهاب، مهما يكن قبيحاً، لن يجعل دولة اسرائيل تنهار .. لكن استمرار الاحتلال سيفعل ذلك".
هذا احتلال قارب على عمر يوبيله الوخيم (لا الذهبي) متبوعاً باستيطان يتمادى، الى درجة قول وزير اسرائيلي: لا تتحقق ارض - اسرائيل دون شخيم وحبرون، الى قول رئيس الحكومة الاسرائيلية ان تقسيم القدس امر دونه فرط القتاد. ماذا يتبقى من الضفة دون القدس والخليل ونابلس؟ علماً ان رحبعام زئيفي، الوزير المقتول، رداً على اغتيال ابو علي مصطفى مطلع الانتفاضة الثانية، كان يرى أن أريحا أهم لاسرائيل والتاريخ اليهودي حتى من تل ابيب، وأنه يمكن تطبيق الحكم الذاتي فيها على شارعين فقط!.
زئيفي كان يلقب "غاندي" لا لأنه يتشبه بالمهاتما، لكن لأنه نحيف جداً مثله، وبعد مصرعه اطلقت اسرائيل على شارع الغور الطولاني اسم "طريق غاندي" والآن يتحدثون عن ضم الاغوار!.
في أحد مقالاته اللاذعة، سخر غدعون ليفي، المناهض للاحتلال والاستيطان من نية اميركية لمنح شمعون بيريس اعلى ميدالية اميركية؛ ميدالية الكونغرس الذهبية، بعدما تقلّد وسام الرئاسة الاميركية (يقال نكاية بنتنياهو).
ان حامل ثلث جائزة نوبل، بعد اوسلو، مع عرفات ورابين، كان هو ابو مشكلة اسرائيل وفلسطين مع الاحتلال، لأنه دفع الى اقامة مستوطنة "ألون موريه" قرب نابلس، التفافاً على رأي رابين، وحتى بيغن، لأنها اقيمت على ارض فلسطينية خاصة ١٩٦٨، علماً أن صحيفة "هآرتس" عقبت على اقتراح وزير الحربية، موشي يعلون اقامة مستوطنة اخرى في نطاق كتلة غوش عتصيون (حيث اختطف الاسرائيليون) بالقول: إن ما يسمى "اراضي دولة" ستقام عليها مستوطنة باسم المستوطنين الثلاثة "ما هي إلا اسم مغسول لأرض فلسطينية سلبتها الدولة رسمياً".
اندلعت الانتفاضة الاولى من مخيم جباليا - غزة؛ والثانية من الحرم القدسي .. والآن، تتحدث الصحف الاسرائيلية عن احتمال اندلاع الانتفاضة الثالثة من مخيم شعفاط - القدس، الذي تفكر اوساط اسرائيلية بالتخلي عنه وعن بيت حنينا لتقليص عدد الفلسطينيين في نطاق القدس.
منذ بعض السنوات، تتخذ المقاومة الشعبية السلمية للاحتلال والاستيطان شكل وصور - ومفردات الانتفاضة الاولى.
هناك فارق بين دوافع اختطاف فلسطيني، واختطاف اسرائيلي، فالاول يسعى الى اطلاق سراح اسرى ومعتقلين، والثاني هو تطوير دموي لعصابات "شارة ثمن" وصيحات الانتقام بلا تمييز.
صحيح، ان ما من دم يعادل دماً (وليس كما في نشيد هاتكفا: "النفس اليهودية بمائة نفس" أو بالقول: المختطفون الفلسطينيون "حيوانات" او قول نتنياهو: "دم ولد يدعو لانتقام لم يفكر به الشيطان" نقلاً عن الشاعر العبري بياليك.
لكن، مصرع الفتى خضير تبعه حرق جثته، كأن هذا شيء يذكر بـ "المحرقة" النازية، علماً ان عمليتي المخطوفين الاسرائيليين والمخطوف الفلسطيني حصلتا في المنطقة الخاضعة كلياً للسيطرة الإسرائيلية.
اوقع اختطاف وقتل الاسرائيليين السلطة في مأزق لكن رئيس السلطة خرج منه بأقل قدر سياسي لا شعبي؛ وأوقع اغتيال الفتى حكومة اسرائيل في مأزق خيارات وسنرى كيف ستخرج منه غير الحرب .. وتعزيز الاستيطان.

 

 

 

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مـا مـن دم يـعـادل دمـاً مـا مـن دم يـعـادل دمـاً



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab