اليفثيـريا

اليفثيـريا

اليفثيـريا

 العرب اليوم -

اليفثيـريا

حسن البطل

هي ملكتنا ونحن رعاياها. هي أميرتنا ونحن فرسانها.. أو جميعنا هارون الرشيد وهي دنانير(نا). إنها "اليفثيريا" تتغنج بدلال الغانية، وتتأمر علينا أميرة، وتفيض علينا بنبلها الملكي. للبلد المقسوم بـ "خط أتيلا" عاصمة مقسومة (كانت مقسومة) بسور يقسم قلب عاصمتها نيقوسيا، وقلب نيقوسيا يسمى "ليدرا"، ولـ "ليدرا" الأغريقية ساحتها "اليفثيريا"، ولنا، في حي "أيوس ذيمينوس" (القديس ديمتري) حانة ومطعم ومقهى الست "اليفثيريا". " اليفثيريا" يا سيدي تعني "الحرية"، فلو تحركت لوحة اسماعيل شموط الشهيرة عن الفلسطينية الحرة والعلم، لو رقصت رقص النصر (والنصر باليونانية "نيكي"، ولو حوره الانغلوساكسون إلى "نايكي" وجعلوه علامة صرماية فاخرة).. لو رقصت "اليفثيريا"، بعد قليل من هذا الـ "زفانيا"، لاصطفت راقصات باليه البولشوي وصيفات رقصتها.. وليس لأكثر راقصات الـ "فلامنكو" إباء وشموخاً، أن تهز رأسها كما تفعل "اليفثيريا". امرأة قبرصية يونانية في الأربعين، أو "امرأة في الأربعين تحمل كل مشمشها"، أو امرأة تختصر النساء. فلاحة (لها أصابع يد وراحة يد الفلاحة القوية)، وطاهية للأطباق القبرصية على أصولها، ونادلة لماحة أيضاً.. وأخيراً قاضية محكمة عدل عليا بين رعاياها من الرجال القبارصة (وقت الانتخابات بخاصة)، وقاضية صلح بين رعاياها من المثقفين الفلسطينيين (إبان صخبهم المرير في مرحلة حرب المخيمات بخاصة). .. وجميع رواد حانتها، من قبارصة وفلسطينيين، يغدون هيئة محلفين في الشجار الحزبي الذي ينشب بينها وبين بعلها سوديروس. هي في حزب "ايذيك" الاشتراكي الصغير، وهو، منذ يفاعته، مناضل قديم في حزب "أكيل" الشيوعي القبرصي.. وأما أنصار حزب "ذيسي" اليميني، فالجميع جيش واحد، قبارصة وفلسطينيين، يغيرون على الخندق اليميني. إذا ساعدها واحد منا (من زبائنها الفلسطينيين) في إعداد صحن المقبلات، أو مراقبة المشويات على منقل الفحم، نال منها قبلة أمومية على خده. إذا فاض الشجن بواحد منا (من الفلسطينيين فقط) بعد خبر عائلي حزين من مخيمات بيروت، أخذت رأسه قليلاً إلى صدرها، وملأت كأسه.. وزرعت زهرة في عروة قميصه. بعد بيروت، قال شاعرنا: "كلما آخيتُ عاصمة رمتني بالحقيبة"، غير أن قبرص آختنا نحن وحقائبنا، مزاجنا ومشاكلنا، من يوم وصولنا إلى يوم مغادرتنا.. ونحن آخينا تلك المرأة "اليفثيريا" ومطعمها وحانتها ومقهاها. بْسومة وبْساريا (خبز وسمك). جراسكي وأوزو (مشروبان وطنيان قبرصيان). ياسّو وكالو تاكسيذي (أهلاً ومع السلامة). كاليميرا وكالسبيرا (صباح الخير ومساء الخير).. * * * عن سأم يقولون: "رأينا هذا الفيلم"، غير أنني رأيت "زوربا اليوناني" ثلاث مرات بلا أدنى سأم.. وعشته مرة طويلة، عشر سنوات مديدة، في "حانة اليفثيريا".. و"اليفثيريا" ترقص رقصة زوربا أحسن من أنطوني كوين، والقبارصة اليونانيون في نيقوسيا يعيشون مفارقات حياة إغريقية أكثر غنى من اليونانيين في أثينا. لماذا؟ لأن الإندونيسيين يعيشون حياة إسلامية أكثر من السوريين، والموريتانيين يعيشون حياة عربية أكثر من العراقيين. دائماً في الأطراف تعيش التقاليد القديمة التي تندثر في مركز الحضارات. نحن الخارجين من قلب العالم العربي إلى أطرافه، ومن أطرافه إلى أطراف العالم الإغريقي، وجدنا في اليفثيريا المرأة - اليفثيريا المكان قصة "زوربا الفلسطيني" هذه المرة، وفي حانة اليفثيريا نسجنا حياة فلسطينية - قبرصية، بعد أن نسجنا في بيروت حياة فلسطينية - لبنانية. لبنانيون وفلسطينيون في العمل واللهو والحرب، وفلسطينيون وقبارصة في العمل وفي اللهو.. وفي غياب الحرب، غير أن "اليفثيريا" تختصر النساء مرتين. مرة تختصر نساء العالم، ومرة تختصر حالات الأنثى كلها. في رقصتها الأخيرة، تحية لخروجنا المشرف الوشيك، أو عودتنا من رحلة عوليس الفلسطيني الطويلة، احتزت اليفثيريا زراً من أزرار قميص واحد منا.. وحاكته، فوراً، على فستانها. قالت: سيبقى إلى الأبد. * * * عدت، بعد 12 عاماً، مع ابنتي إلى تلك الجزيرة، إلى تلك العاصمة، إلى تلك الحانة، وجدت قبرص تسبق اليونان، ونيقوسيا تسبق أثينا إلى نمط حياة أوروبية. كان المكان في مكانه. الشجرات السامقات في أماكنها. اليفثيريا لم تكن، ولعل ذلك الزر في فستانها باقٍ في مكانه. نقلا عن جريدة الايام

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 06:24 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

بري رجلُ السَّاعة

GMT 06:22 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير السامي

GMT 06:19 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أية حقيقة؟

GMT 06:17 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان أبقى من كل هؤلاء

GMT 06:15 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حرب العلاقات العامة!

GMT 06:12 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مناظرة حضارية... وهدوء العاصفة الانتخابية

GMT 06:09 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليفثيـريا اليفثيـريا



جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - سوسن بدر تتحدث عن حبها الأول وتجربتها المؤثرة مع والدتها

GMT 19:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

نابولي يعزز صدارته للدوري الإيطالي بثلاثية ضد كومو

GMT 13:54 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

دعوى قضائية تتهم تيك توك بانتهاك قانون الأطفال فى أمريكا

GMT 14:19 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يتجه لتحقيق أكبر مكسب أسبوعي منذ أكتوبر 2022

GMT 13:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع حصيلة قتلى إعصار هيلين بأمريكا إلى 215 شخصا

GMT 15:57 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

اختفاء ناقلات نفط إيرانية وسط مخاوف من هجوم إسرائيلي

GMT 06:22 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير السامي

GMT 10:04 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مصرع 4 وإصابة 700 آخرين بسبب إعصار كراثون في تايوان

GMT 09:20 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab