تمرين على الغياب

تمرين على الغياب

تمرين على الغياب

 العرب اليوم -

تمرين على الغياب

حسن البطل

يتجمع الماء وفق قانون الجاذبية، ووفق القانون ذاته يتوزع الهواء. هل للكفاح قوانين أخرى؟ وهل للزعامة الحقة أن تسخّر ما يشبه قانون الجاذبية، فتكون قضية الشعب هي تجميع الماء؛ المسيل، والوادي، النهر والبحر، وتكون القيادة مثل انتشار الهواء في الغلاف الجوي ولها حالاته؛ برق وشروق، حر وقر، مطر وجفاف.. عواصف ونسيم. .. وندخل هذا "التمرين على الغياب"، بعد أن قادنا أبو عمار في تمارين الحضور من النسيان، وفي تمارين الخطر السياسي والجسدي، الفردي والعام. هبط بنا إلى الأغوار، وصعد بنا الى "ثلوج جبل الشيخ"، ولمنا من المخيمات والشتات في "جمهورية الفاكهاني"، ووزعنا إلى الفيافي الخضراء، وإلى رمال الصحراء.. ثم عبر معنا وبنا الجسر والمعبر! وكنا معه في الماء والرمضاء، وكان معنا في الماء والرمضاء. في كتابه الوثائقي ـ الموسوعي عن "الكفاح المسلح الفلسطيني" سأل د. يزيد الصايغ عن الاستراتيجية المفقودة، وأجابه زئيف شيف بسؤال عملي: أليس الخروج من بيروت والعبور إلى الأرض الفلسطينية يشكل نقلة استراتيجية؟ انجازاً استراتيجياً؟. أذكر أن أكاديميين وباحثين اجتهدوا، بعد بيروت، في وضع "خطة استراتيجية" وقدموها إلى أبو عمار في تونس. يقال إنه تصفحها وقال: "لينقعوها ويشربوا ماءها". لماذا غابت الاستراتيجية (المكتوبة، المبرمجة) عن قيادة ياسر عرفات، أو غابت، في الحقيقة، عن عيون وأذهان الذين درسوا ماذا فعل الفينكونغ (وقبلهم الفيتمنة)؟ ماذا فعلوا في جبال الأوراس في "حي كريتر" العدني؟ ماذا فعلوا في غابات جبال "سييرا مايسترا" الكوبية، في بادو ـ ماينهوف؟ ماذا فعلوا في غابات بوليفيا (تجربة غيفارا)؟ ماذا فعلوا في إرهاب "التوبا ماروس"؟ في "الدرب المضيء"؟ في بلاد السند والهند (تجربة غاندي اللا ـ عنفية)؟. فلماذا جاؤوا، جميعاً، إلى خندقنا البيروتي. كان علينا، كفلسطينيين، أن نحضر من الغياب والتغييب، وكان على حضورنا أن يضارع الحضور اليهودي في ثقافة الغرب المسيحي، في المشكلة الكبيرة والحل الكبير.. وكان على حضورنا أن يناور بين ركوب المجازفة، وبين تردد الانسحاب من الممر الإجباري. كان على استراتيجية (نا) أن تفكك استراتيجيات الآخرين. استراتيجية الغياب والتغييب، واستراتيجية انتحال التمثيل... وبالطبع، استراتيجية كسر عنادنا بحديدهم (قال أبو اياد: نحن أكثر شعوب الأرض عناداً). لا عديدنا، ولا مواردنا، ولا قوانا تؤهلنا لوضع استراتيجيات.. بل "خربطة" استراتيجياتهم. ببساطة، كانت استراتيجيتنا هي "الاستراتيجية المضادة للاستراتيجية"، كما يحلم العلماء بمضادات الجاذبية. على جهود الشعب أن تتركز حول القضية كأنها قانون الجاذبية للماء. وعلى قائد المسيرة أن يحضر وينتشر كحضور الهواء وانتشاره (مثل حضور القائد في شوارع بيروت وقت الحصار)، وكان على المؤسسة الفلسطينية أن تبقى هلامية (ركيكة) متعددة الرؤوس ومراكز القوى، لأن النبتة ستنتقل من منفى إلى منفى ومن قوارة إلى قوارة.. وكان عليها أن لا يصلب عودها، لأن الريح سوف تكسرها، أو لأن التكنولوجيا سوف تفكك تماسكها، أو لأن الصدأ أقوى من معادن الرجال. ... وكان على "يد القوة" الباطشة، الحديدية ـ التكنولوجية أن تفرقنا، وكان على "يد الفوضى" الليّنة أن تعيد تنظيمنا. لذا، قالوا، بعد الخروج من الأغوار إلى ذرى جبل الشيخ، أن الفلسطينيين تبددوا وذهبت ريحهم، وعندما ركبوا السفن والبحر من بيروت، إلى الصحارى والفيافي، قالوا مثلما سبق وقالوا. الحال كان حال شتات استراتيجي، والحال كان حال تمركز تكتيكي.. إلى أن انتصر الحضور على الغياب، وإلى أن أصبح تمرين المغامرة تمرين مخاطرة، وتمرين المخاطرة أمراً عادياً.. إلى أن تتكشف الخطة عن خطة، والخطة تنحط الى تكتيك، والتكتيك سهم يطيش. لكن، خلال تمارين الحضور من الغياب وتمارين مجابهة الخطر، باشر عرفات، مبكراً، تمارين غيابه. ليس في بيروت دائماً. ليس في المكتب ذاته دائماً، مع أن بيروت مقر قيادته. ليس في تونس دائماً.. ليس في غزة.. في رام الله دائماً. الذي جاب العالم كما لم يفعل قائد ثورة. الذي كان يدير ثورته بحضوره كما بغيابه في سفراته. الذي جعل "طائرة العنقاء" الصغيرة خطوطاً جوية فلسطينية داخلية، هو الذي جعل حصاره في "المقاطعة" أسطورة حضوره في اليومي والآني، في النضالي والسياسي، في التكتيكي والاستراتيجي. منذ متى، أيضاً، دخل بنا في تمارين الغياب؟ منذ صار يقول: الشعب الفلسطيني أكبر من سائر قياداته: السابقة، والحالية.. واللاحقة. ومنذ متى دخلنا تمارين الغياب؟ منذ كنا نكتب له في صحفنا الفصائلية: "أيها الكبير تجمّل بالصبر" عندما يغيب أحد الكبار من رفاقه الكبار. ... ألا أيها الشعب الكبير تجمّل بالصبر.  

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 07:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 07:25 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 07:23 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 07:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 07:18 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 07:16 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 07:13 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمرين على الغياب تمرين على الغياب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab