فكرة أخرى عن الموت والحياة

فكرة أخرى عن الموت والحياة

فكرة أخرى عن الموت والحياة

 العرب اليوم -

فكرة أخرى عن الموت والحياة

حسن البطل

من له فكرة أخرى عن الموت، له فكرة أخرى عن الحياة، للطقوس أن تنوس بين الفكرتين: أميركي سأل يابانياً: هل تعتقد أن هذا الميت في هذا القبر سيتذوق الرز، أجابه: كما تعتقد أنت ان الميت في ذلك القبر سيشم الورد. لا أعرف سبباً لفكرة سلفت، حيث كانت الأمهات الوالدات "يقمطن" اطفالهن وهم في المهد، وسن الرضاعة. ربما كانت البنات الصغيرات، في انتقالهن الفجائي من الامساك اللاهي بلعبة من جماد، الى الامساك المرتبك بوليد من حياة، يواصلن تقاليد طفولتهن العابرة، او يبدو لهن الوليد هشاً، قابلا للتكسر .. ان سقط سهواً بين ذراعي الأم - الطفلة. ربما كانت العادة الغابرة، ارثا من حياة الكهوف الباردة، او "درعاً" يحمي الوليد، برهة من الوقت، يمنع عنه أنياب الوحوش، حتى تنجده أمه. ربما للتسهيل على أمه، ان "تخطفه" من خطر .. وتفر به الى النجاة.. او لأن وفيات الاطفال الرضع كانت عالية، فيكون الطفل جاهزاً للنقل من المهد الى اللحد. اندثرت تقاليد "تقميط" الوليد، وبقيت تقاليد "تقميط" الشهيد، كأنه ينتقل لا الى موت، بل الى حياة اخرى. يزفونه كأنه عريس مضمخ بدمه، طاهر بدمه. كانت شرائط "التقميط" مزخرفة بدورها، ترسم اشكالا من الطيور، او اشكالا من الورود .. سوى ان الاسود يحضر في تقميط الشهداء، ويغيب في تقميط الاطفال الرضع في المهد. يحضر اللون الاسود، زيحا يطوق باقة من : الاخضر، الابيض، الاحمر، ويحضر الاسود، ايضا، لونا من الوان العلم الفلسطيني، ومن لون "كوفية القتال" الفلسطينية، ذات اللونين: الابيض والاسود. الميت في تابوت، والشهيد على محفة.. وفي "صلاة الميت" على الشهيد، يبدو الجثمان وكأنه مسكبة صغيرة من الورود، او هكذا، يبدو "قماطه" بالعلم الفلسطيني .. هذا مشهد افقي. الشهيد في تشييعه الصاخب، ومن على الشرفات تبدو المحفات المرفوعة على الأكف، لا على الاكتاف، كأنها باقة ورود القيت على صفحة ماء البحر، تترنح المحفات شاقولياً، كما تترنح افقيا، لأن الذين يحملون الشهيد على اكفهم يختلفون في طول قاماتهم، ولأنهم يطلقون صراخا بملء حناجرهم، ومن عمق رئاتهم. هكذا يبدو مشهد التشييع من رؤيا شاقولية. من له فكرة اخرى عن الموت، له تقليد آخر عن تشييع الميت الشهيد الى حياة الخلود. ومن له فكرة اخرى عن الحياة له فكرة اخرى عن الموت. فكرة الناس عن الحرية متقاربة، لكن عندما تصطدم الحرية بفكرتي الحياة والموت المختلفتين في ثقافات الشعوب، يدعي اصحاب الفكرة الاخرى عن نظام الحكم، وعن الحقوق غير المتساوية في الحياة، ان لخصومهم "ثقافة موت" غير مفهومة، وانهم يعيشون ليموتوا جزافاً. كلا، تبقى الحياة عزيزة، ولكنها ليست اكثر معزة من فكرة الحياة عن الحرية، تبدأ الحياة بصرخة اولى، وليس صراخ المشيعين في توديع الشهيد، سوى تأكيد بأن الشعب يصرخ: ألماً وغضباً وعهداً على الثأر، لأنه شعب حيّ. للهتاف والصراخ في تشييع الشهيد "المقمط" بالألوان، المحمول على الأكف، ان يصد "الصدمة" الاولى عن احباء الشهيد .. عن ذويه واصدقائه، وان يشد من ازرهم.. لتبقى للجمهور فكرته الاخرى عن الموت، وفكرته الاخرى عن الحياة .. ودونهما قد يصعب عليه، على مناكبه وعلى روحه، ان يتحملا وطأة ثمن الحرية. لذلك، فإن ميزانية الارادات هي التي تعدل اختلال ميزان القوى، وفداحة ميزانية الموت: اليومي، الاسبوعي .. السنوي. كان الفراعنة "يقمطون" موتاهم على مهل، وكان الذهب الخالد استعارة اخرى لخلود الميت، غير ان مراسيم تشييع الشهداء ابسط من ذلك، لكنها اعمق فلسفيا وفكريا. في النوم وفي الموت، يأخذ الجسد / الجثمان اتجاهه الافقي؛ وبينهما يأخذ اتجاهه العامودي. الانسان، ككتلة حية، هو الاكثر انتصابا بين المخلوقات. على قدمين يشكلان جزءاً بسيطاً من كتلة الجسم، ثم على محفة الموت، وعلى الاكف يأخذ شكله الافقي من جديد، كأنه يعود الى رسم قطبي الحياة والموت. اسرائيل لن تهزم فكرة الفلسطيني عن حريته، لانها لن تهزم فكرته المختلفة عن الموت وعن الحياة، صحيح : "من المهد الى اللحد"؟ لكن لهذا قطب ولذاك قطب .. وفكرة الفلسطيني عن الحرية ان تجمع القطبين، بحيث يبدو الموت سفراً الى حياة اخرى.  

arabstoday

GMT 05:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 05:01 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 04:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 04:55 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

GMT 04:53 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«أرامكو» وتحوّل الطاقة

GMT 04:52 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بريطانيا: المحافظون يسجلون هدفاً رابعاً ضد «العمال»

GMT 04:50 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فكرة أخرى عن الموت والحياة فكرة أخرى عن الموت والحياة



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
 العرب اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
 العرب اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 17:12 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 31 شخصا على الأقل في هجمات إسرائيلية في قطاع غزة

GMT 03:11 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر

GMT 22:38 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر يضرب شمال اليونان

GMT 17:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة 32 جنديا بينهم 22 في معارك لبنان و10 في غزة خلال 24 ساعة

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab