بقلم - حسن البطل
للعلم، أول هوية سلطوية صدرت لي في غزة، وبها عدت إلى الضفة. كنا 13 كادراً من «فلسطين الثورة» عبروا النهر والجسر، واحد فقط، هو الزميل الغزي توفيق أبو زعنونة، صرح بأنه سيقيم في غزة، أما ابن عمه الغزي، طلعت موسى، فصرح بأنه سيقيم في الضفة.كان عليّ وعلينا، أن نعود إلى غزة، مرة ثانية، للحصول على جواز سفر، ولاحقاً مرات عدة ليوزعنا «أبو شريعة» رئيس ديوان الموظفين السلطويين، على أجهزة السلطة.توقفت زياراتي العديدة إلى غزة، بعد الانقلاب الحمساوي، وقبلها كنت أكتب في «الأيام» عنها وفيها، فصرت بعدها أكتب عنها وليس فيها.للفلسطينيين أيارهم «النكبوي» 1948، ولهم كعرب حزيران «النكسوي» 1967، ثم حزيران اللبناني 1982، وثالثاً حزيران الانقلابي الحمساوي 2007.السلطة بدأت في غزة ومنها، وأدارها عرفات من مقر رئاسته في «المنتدى» حتى ما يعتبر أوسلو»2» في القاهرة، حيث صار يديرها بالذات بعد العام 2000 من «المقاطعة» في رام الله. عمر السلطة الأوسلوية 26 عاماً، وعمر الانقلاب الحمساوي 13 عاماً.
سنذهب بعد أسبوعين إلى أخطر تحدّ إسرائيلي للمشروع السلطوي الوطني بينما السلطة منقسمة سلطتين، ذروتها مفارقة هي منع سلطة غزة زيارة تفقد وزراء غزيين في حكومة رام الله لوزاراتهم في غزة.. إلاّ إن خضعوا للحجر الصحي 21 يوماً، كما منعت حكومة الاحتلال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس من زيارة رام الله، إلاّ إن خضع للحجر الصحي.
كان المقاتل الفتحاوي، فضل عاشور، عاش حزيران الفلسطيني اللبناني، ثم عاد إلى غزة بفضل أوسلو طبيباً نفسياً قديراً، وكتب في حزيران الانقلابي الغزي على صفحته: «المشكلة ليست في أوسلو، بل في الانقلاب الانقسامي الحمساوي.
خضنا مع الجنرال شارون حزيران الاجتياح الإسرائيلي 1982، ومعه قائداً في جيش إسرائيل خاضت مصر ثغرة الدفرسوار، وحصار الجيش الثالث المصري شرق قناة السويس، ومنها بدأت «ثغرة» كامب ديفيد المصري ـ الإسرائيلي.
كرئيس للحكومة الإسرائيلية، أوقعنا شارون العام 2005 في كمين سياسي محكم، هو الانسحاب الأحادي من غزة، بعد اجتياحه للضفة الغربية، وبفعل تداعيات الكمين السياسي هذا، تطور الأمر إلى انقلاب ديمقراطي 2006 ثم انقلاب حسم عسكري في حزيران 2007، ومن يومها حتى يومنا هذا، تعاني السلطة من تبعات «الدفرسوار الغزي».
في آخر رباعية أعمدة كتبها في «الأيام» الزميل عبد المجيد سويلم، الاثنين 15 حزيران، كرّر قوله إن الانقسام الغزي هو أكبر اختراق استراتيجي لدولة الاحتلال (في الجسم السلطوي الفلسطيني) وأكبر خطر مباشر على مستقبل وجودنا الوطني.
ليست المسألة في هذه الأوسلو، لكنها في «الدفرسوار الغزي»، وعن أوسلو كتب زميلنا العتيق فيصل حوراني في ملحق «الاتحاد» الحيفاوية يوم 12 حزيران الجاري، أن الصحافي القدير محمد حسنين هيكل، التقى الرئيس الفرنسي ميتران، صاحب عبارة «كادوك» العرفاتية، وأبلغه جواب شمعون بيريس عن سبب قبول إسرائيل الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً سياسياً شرعياً للشعب الفلسطيني.. هاكم هو: «ما الذي ستخسره إسرائيل، إذا استدرجنا مشاغبي الشرق الأوسط إلى أرض إسرائيل، ليصيروا تحت سيطرتنا، فيصير بإمكاننا أن نروّضهم على تخفيف سقف مطالبهم، أولاً بأول.. إلى أن يتلاشى السقف».
قرأت جواباً آخر لبيريس على سؤال ميتران له، وهو: تتجول منظمة التحرير خارج إسرائيل كأنها نمر، وبعد اعترافنا بها لا بأس أن تتجول مثل قط أليف. القط سليل النمر (بيغ كات) وهو والنمر مرقّطان.
الذي حصل في صدام «هبّة النفق»، ثم في الانتفاضة الثانية أن نمر «م.ت.ف» لم ينمسخ قطاً أليفاً، وأن السلطة الفلسطينية بعد عرفات رفضت التخلي عن «حل الدولتين» لا قبل ولاية ترامب أو خصوصاً بعده.
نعم، لولا «الدفرسوار الغزي» لكانت السلطة في وضع أفضل لمناهضة «صفقة ترامب»، وآخرها موافقة أميركا على إضفاء شرعية على الاستيطان، بعد شرعية ضم القدس، ثم شرعية القضم والضم.
في الاجتياح العسكري الشاروني للبنان، حزيران 1982، رفضت المنظمة الاستسلام العسكري، وفي حزيران 2020 سيتجول رئيس «الموساد» الإسرائيلي في بعض الدول العربية المجاورة لإقناعها بالضم «ستب باي ستب» أي خطوة خطوة وقضمة قضمة.
كان هيكل قد برّر تطور «ثغرة الدفرسوار» إلى «كامب ديفيد» 1979 بأن لا طاقة لمصر والعرب على «مناطحة أميركا»، لكن سلطة الفلسطينيين مجبورة على مناطحة إسرائيل وأميركا، ووضع فلسطيني وعربي ودولي أردأ من الرداءة، بينما كان عرفات، بطل صمود بيروت، يشكو حتى أوسلو من وضع عربي رديء، قاده إلى أوسلو، ولكن على أجنحة أعظم انتفاضة شعبية فلسطينية، أجبرت رابين على الاعتراف بالمنظمة ممثلاً شرعياً فلسطينياً، لكنها ـ ويا للمفارقة ـ لم تجبر «حماس» على الاعتراف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، كما ظهر من مفاوضات موسكو الفصائلية.
نشرت صحيفة فلسطينية أخرى، تقريراً عن قناة أميركية مع شخصيات فلسطينية لفرملة خطوات الضم الإسرائيلية ويقول المرشح الديمقراطي جون بايدن إن لا تراجع أميركياً عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن لا موافقة على ضم إسرائيلي غير تفاوضي مع الفلسطينيين.
لكن السؤال الوجيه: لماذا أغلقت إدارة ترامب القنصلية الأميركية شرق القدس، وألحقتها بالسفارة الأميركية في القدس بعد نقلها من تل أبيب.
تلوح إدارة ترامب بالاعتراف بدولة فلسطينية بعد الضم الإسرائيلي، ويقول نتنياهو إن إسرائيل لن تعترف بدولة فلسطينية، والأهم أن نجد طريقة ما لإغلاق «ثغرة الدفرسوار الغزي».
هل «حماس» أقل وطنية من التحاق زعيم حزب الجنرالات بحكومة وحدة مع «الليكود»؟ يا له من سؤال ساذج!