في وداع  لبنان سأخونك يا وطني

"في وداع لبنان ..سأخونك يا وطني*

"في وداع لبنان ..سأخونك يا وطني*

 العرب اليوم -

في وداع  لبنان سأخونك يا وطني

بقلم : طلال سلمان

ضع نقطة على سطر التاريخ . لبنان أنتهى . الهاوية تتسع . الآلام تتعاظم . الرؤيا عمياء . لا بارقة أمل . الطوائف قتلت لبنان ولا تريد دفنه ولا أحد مستعد لوراثة التركة المزمنة .كان ذلك متوقعاً . شياطين الطوائف عاثت بالتجربة اللبنانية المتهالكة ، مرة تلوة مرة ، أو مراراً كثيرة . منعت عنه العافية الوطنية . لم يكن وطناً هذا الكيان . كان ملجأ مفترضاً ، فأضحى مغارة للصوص السياسة وفقهاء التبرير وأبالسة المال وعصابات النهب . ولا مرة كان لبنان وطناً . ولا مرة كان سكانه مواطنين . ولا مرة كان يتقدم ، بل كان يتراجع دائماً حتى بلغ المئة سنة وهو لقيط لطوائف سامة وطائفيين متمرسين بألاعيب معيبة وعلنية وبلا خجل .

حلمنا مراراً أن يصير لبنان دولة ، وطناً او مأوى مناسباً . فشلنا ، وكان الفشل ثقيلاً . حلمنا بديموقراطية مقبولة . منعوها عنا وعوّضوا عنها بالتوافقية النفاقية . دربونا على التعصب وعلى التكاذب . قضوا على أفكار خلاصية كالمدنية والحرية والمساءلة والمحاسبة والقضاء النزيه والإنفاق المدروس والتربية الوطنية وألف صفة من صفات المواطنة . كانوا عباقرة في الإرتكاب والإكرام . أنتزعوا منا كل ما هو جميل ونظيف وإنساني وإجتماعي وتقدمي ووطني . أقاموا لنا زرائب حيوانية ، فتحوَّل الكثيرون إلى قطعان طائفية هائجة كثيراً في ساحة “كالتوريرو” .

الغريب جداً أنهم يعرفون ما نعرفه عنهم ولا يبالون . يعرفون رأينا فيهم علناً . يعرفون أننا نعرف نهبهم وسرقاتهم وإنتماءاتهم وعقولهم الجهنمية وخياناتهم السياسية . إنهم على دين الإرتكاب والناس خلفهم على دين ملوكها . وملوكنا “زعماء” كذبة . ماهرون في الكذب والتكاذب ، وممثلون يجيدون الخيانة ببراءة كاذبة .

هذا الكيان الذي كنا فيه ، أفلس تماماً خلقياً وعقلياً ومالياً وقضائياً وصحياً وتربوياً وإنسانياً وإجتماعياً . أفلس على الملأ . ومع ذلك ، يتبارون في الرقص على جثة البلد . كل المحاولات الإنقاذية فشلت ، عفواً أفشلوها بذكاء شيطاني . وكلهم يعني كلهم . لا بريء أبداً في ما بينهم . عباقرة في الإرتكاب .

صدف أن وجد في هذه الجغرافيا الملعونة ، أناس مؤمنون بالوطن . حاولوا . فشلوا . صمدوا ثم تبدّدوا . رغبوا ثم خابوا. تأملوا ثم يئسوا . أكثرية الشعب اللبناني مؤلفة من أقليات متنازعة . هؤلاء لا يصنعون ثورة . يكتفون وبالإعلان عنها شفهياً . لا أحزاب علمانية وديموقراطية وتقدمية . لغتها خشبية . لا نقابات البتة . هياكل عظمية لا روح فيها . النقابات تابعة للطوائفيات .

دلونا على جسم سليم في هذا الكيان السقيم ؟ لا شيء يبشر بفجر . كله كالح أسود أو رمادي يعمي العيون ويطفئ القلوب .

وبعد كل ذلك ، فما العمل ؟
لم يتبقى لنا سوى الخيانة . نعم الخيانة . علينا أن نصل إلى القطيعة التامة مع هذا النظام المسخ ، هذا الكيان اللاغي للوطن ، هذا الوطن الذي يمتنع عن الحضور .

بكل موضوعية ، أعلن خيانتي لهذا اللبنان المسخ . أحببناه ، فكرهنا . قدمناه على الطائفية ، فتشبث بها . فعلنا ما نستطيع ولو قليلاً ، ولكنه تجنبنا وشرَّدنا . شعبه يملك من الذكاء والعلم والعبقرية الكثير ، ولكنه محكوم بعصابات شاطرة جداً في الغزو والفتك والبقاء وإحاطة مواقعهم بأتباع أحقر من أحقر الكائنات . يحمون محمياتهم بتأصيل التعصب والكراهية ، ويتبارون في إرتكاب الزنى السياسي في فراش الحكم الفاسق .

غداً ، سيموت اللبنانيون قهراً وجوعاً وفقراً وعوزاً ومرضاً . لم يبقى لسكان هذا الكيان رغيف خبز بسعر عرق الجبين . لا دواء غداً . الإفلاس الذي أرتكبه الحكام ، قديماً وحديثاً ، هو نتيجة طبيعية لتراخي الناس ومسامحتهم لزعمائهم . إنهم متهمون بخيانة أنفسهم لصالح مقاماتهم السياسية والمذهبية وكأنه يشبه مغاور اللصوص .

الكيان الموروث من الإستعمار ، فشل المستعمرون في إصلاحه . حاولت فرنسا محاولة خائبة . فشلت بسرعة . كيان مشلَّع بين محاور . هذا الأمر ليس جديداً أبداً . طول عمره موزع بالولاءات بين محاور ومذاهب وبلاد وثقافات . لا شيء يجمعه سوى سرقة البلد وأهله .

هل من إصلاح ؟ سؤال سخيف ومنحط . من سيقوم بهذه المهمة ؟ الناس ؟ أين هم ؟ الأزلام ؟ لقد قاموا بمهمة التدمير أنفسهم . عبث . لا حل أبداً ، لا في الأفق المنظور ولا في الأفق البعيد .

نحبك يا لبنان الذي حلمنا به وطناً . نكرهك يا لبنان الذي هو صنيعة لصوص السياسة . وأفضل ما نقوم به ، هو خيانة هذا “اللبنان” على أمل قد يكون مستحيلاً في ولادة لبنان آخر وفي زمن غير معروف .

لقد أنتهى لبنان . مات . جثته حية ترزق لأن لا أحد مؤهل لدفنه أو لقيامته .

وعليه ، سأخونك يا بلدي الحبيب . وفي عيني دموع ، وفي قلبي غصة ، وفي أفقي عتمة .

اللعنة ثم اللعنة على من قتل لبنان الذي حلمنا به وطناً ، وحوَّلوه إلى مبغى .

فوداعاً يا لبنان ، وداعا.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع  لبنان سأخونك يا وطني في وداع  لبنان سأخونك يا وطني



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab