لبنان معلّق في قلب الفراغ العربي

لبنان معلّق في قلب الفراغ العربي..

لبنان معلّق في قلب الفراغ العربي..

 العرب اليوم -

لبنان معلّق في قلب الفراغ العربي

طلال سلمان

يكاد لبنان يختنق بتحركات السياسيين، أرضاً وجواً، وتصريحاتهم اليومية، ومقابلاتهم الإذاعية والمتلفزة والمكتوبة.. لكنه، مع ذلك كله، يعيش خارج السياسة.

لبنان موجود في سياسات الدول الأخرى كسلعة قد تأتي بشيء من الربح، سياسياً أو طائفياً، ولكن لا سياسة لهذا الوطن الصغير الذي يُرضع أطفاله أنماطاً متضاربة من السياسة، طائفياً أو جهوياً وبين بين.

سياسيوه يتقلبون بين المحاور العربية والدولية، فتتبدل مواقفهم (وتصريحاتهم) بحسب الريح، غير آبهين بتبرير الانقلابات أو التبديل في المواقف، معتمدين على ضعف ذاكرة الرعايا أو على افتراض أنهم مثلهم لا يهتمون بالمحاسبة على كلام طائر في الهواء.
يقول واحد منهم: نحن مثل المضاربين في البورصة، إذا شموا رائحة خسارة باعوا فوراً، وإذا استشعروا احتمالا بالربح اشتروا..
على هذا فلا يمكن أن تجد سياسياً لبنانياً على «علاقة خاصة» بدولة عربية فقيرة أو دولة أجنبية كبيرة ولكنها غير مؤثرة.. (يمكن استثناء سوريا لأن نفوذها كان ـ وإلى فترة طويلة ـ أقوى وأفعل من الثروة.. بل هو الطريق إليها..).

مع غياب مصر عن دائرة التأثير بعد معاهدة كمب ديفيد التي أبعدتها عن العرب وقربت سياسة السلطة فيها من العدو الإسرائيلي، تزاحمت عواصم عربية عديدة على «خلافة» القاهرة في نفوذها وتأثيرها على الحياة السياسية العربية، عموماً، وعلى لبنان بشكل خاص لأن وضعه الاستثنائي يمنحه دوراً أكبر من حجمه: فهو مركز تنصت دولي مهم، وهو «منطقة حرة» لسياسات الدول، شرقاً وغرباً، يمكن أن ترصد فيها حركة الأحداث في المنطقة وجمع المعلومات وامتحان دقة التحليلات السياسية حول أوضاع الجوار العربي القريب، أي كامل المشرق تقريباً من سوريا حتى اليمن مروراً بالعراق وشبه الجزيرة العربية والخليج.

وكان بديهياً أن يتعاظم دور سوريا العربي في لبنان وعبره، خصوصاً وقد سلّم لها العرب بهذا الدور، البعض لإبعاد عراق صدام حسين، أما السعودية فقد تقدمت لتحتل الموقع الثاني بالتنسيق مع سوريا وليس بتجاوزها.

مع انشغال سوريا بالحرب فيها وعليها، وغياب العراق عن دائرة التأثير، واستمرار سياسة النأي بالنفس مصرياً، حققت السعودية بعض المكاسب، خصوصاً بعدما فعَّل الحكمُ فيها دورَ مجلس التعاون الخليجي الذي كان بديهيا أن يسلم بقيادتها ضمن دائرة النفوذ الأميركي.

وطبيعي أن تكون قدرات السعودية المالية بين أسباب تزايد نفوذها داخل لبنان، وأن تَرِثَ بعض ما كان من حق سوريا، وأن ينتعش الفريق الموالي لها تقليدياً فيجذب بعض من «تحرروا» من نفوذ دمشق...

ثم أن الرياض تقدمت خطوة حاسمة حينما أعلنت أنها عقدت اتفاقاً مع فرنسا لتمويل تسليح الجيش اللبناني، لم تلبث أن عززتها بهبة قدرها مليار دولار وضعتها تحت تصرف الرئيس سعد الحريري لتسليح قوى الأمن الداخلي وتنفيذ بعض المشروعات في بعض المناطق المنكوبة أو المهملة تاريخياً في لبنان.

لكن اللبنانيين صُعِقوا، في الأيام القليلة الماضية، حين أبلغت السعودية فرنسا ـ رسمياً ـ أنها سوف تحول هبتها للجيش اللبناني إلى حساب القوات المسلحة السعودية، فتأخذ منها السلاح الذي يحتاجه جيشها هي، وليجد لبنان من يسلحه.

المفارقة أن هذا القرار قد جاء الإعلان عنه بينما طوابير الموالين والداعين لطويل العمر الملك سلمان بن عبد العزيز ومعه وليا العهد محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، تتدفق على السفارة السعودية مجددين الولاء، مستنكرين ـ ضمنا ـ مواقف «حزب الله» من سياسة المملكة لا سيما حربها في اليمن وموقفها من الحرب في سوريا وعليها وكذلك موقفها من العراق.

ربما لهذا تجد الطبقة السياسية في لبنان نفسها في مأزق: فلا بديل من السعودية، لا سيما وقد ربطت بها دول الخليج، وسوريا غارقة في دمائها وتحتاج إلى الوقت قبل أن تتعافى وتستعيد دورها، إن هي قدرت على استعادته، والعراق مفلس.. فإلى أين المفر، خصوصاً وأن الأميركان في خضم معركتهم الانتخابية وأوروبا أضعف من أن تقرر وحدها..

هل هذا يساعد على تفسير الضياع الذي يعيشه لبنان معلقاً بلا رئيس لدولته، وبلا حكومة قادرة على إنجاز أبسط الأمور وإن تمثلت بصفقة النفايات التي تهدد شعبه جميعا في صحته، وبلا مجلس نيابي قادر على اختراق الفراغ الذي يعيش في قلبه منذ زمن طويل؟!
وحتى إشعار آخر سيظل لبنان بلا رأس، بل بلا دولة، يعوم في فراغ عظيم يلخص الحالة العربية الراهنة ومآلاتها غير المفرحة.

 

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 05:48 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

قرار 1701

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بدأت تشعر لاول مرة بأن ورقة لبنان بدأت تفلت من يدها

GMT 04:32 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

إنّها ثقافة سياسيّة طُرد منها المدنيّون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان معلّق في قلب الفراغ العربي لبنان معلّق في قلب الفراغ العربي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab