الجاسوس السوفياتي

الجاسوس "السوفياتي "

الجاسوس "السوفياتي "

 العرب اليوم -

الجاسوس السوفياتي

غسان شربل

يستهجن الغرب. ويستفظع. ويدعي أنه فوجئ. وأنه لم يتوقع أبداً. وهذا يعني أنه ساذج، أو دجال. فجأة انطلقت الأجراس في العواصم الغربية. تذكر أصحاب القرار هناك أن روسيا ليست جثة الاتحاد السوفياتي. وأنها ليست دولة من الدرجة الثانية. وأنها يمكن أن ترجع دولة عدوانية وشرهة تقوض التفرد الأميركي بإدارة العالم.
هل خدع فلاديمير بوتين الزعماء الذين التقاهم؟ أغلب الظن أن ذلك حصل فعلاً. كثيرون تعاملوا معه بعدما تجاهلوا أمرين أساسيين هما تاريخه الشخصي وتاريخ بلاده. زعماء الغرب كالوا له المديح في أكثر من مناسبة. ظنوه صريحاً ويمكن التعامل معه. غاب عن بالهم أن بوتين المرن كان يستكمل استعداداته للإعلان عن بوتين الحقيقي.
كثيرون في الغرب صدقوا أنه مجرد رئيس عادي. تنتهي ولايته ويذهب. وأنه يمكن أن يسقط في الانتخابات. نسوا أنه ليس ديفيد كامرون ولا فرنسوا هولاند. وأنه لم يصنع، لا في أوكسفورد ولا في السوربون. وأنه لم يأتِ، لا من حزب المحافظين ولا من حزب الخضر. واعتبر كثيرون أن أولوية الرجل هي تحديث اقتصاد بلاده واجتذاب الاستثمارات فضلاً عن مواجهة صعود الإسلاميين داخل الاتحاد الروسي وعلى أطرافه.
لا علاقة لفلاديمير بوتين بتلك المنابع التي يأتي منها حكام الغرب. لم يدرس في الكتب نفسها. ولم يعتنق تلك القيم. بوتين صناعة سوفياتية. كان اسمه الحركي «بلاتوف» حين كان يتابع دورة في معهد «العلم الأحمر» التابع للـ «كي.جي.بي». إنها دورة إعداد الجاسوس والتأكد من مهاراته. بعدها سيظهر الشاب المهذب في درسدن في ألمانيا الشرقية تحت غطاء مدير «بيت الصداقة الألمانية - السوفياتية». وهناك شهد الكولونيل سقوط جدار برلين فحمل أوراقه وجرحه وعاد إلى روسيا.
كان بوتين يحلم بالثأر وراح يشق طريقه في المؤسستين الأمنية والحكومية. وعشية انتهاء القرن دفع بوريس السكير إلى التقاعد وأمسك بالأختام.
أساء الغرب إدارة الانتصار الهائل الذي حققه بتدمير الاتحاد السوفياتي من دون إطلاق رصاصة. بدل استدراج روسيا نفسها إلى إطار شراكة تربط شرايينها بشرايين القارة القديمة، اختار متابعة الانتصار عليها. تقدمت أعلام الاتحاد الأوروبي ورايات حلف شمال الأطلسي باتجاه حدود الاتحاد الروسي وأوحت الدرع الصاروخية بأن الترسانة الروسية تنتظر موعد التقاعد. لم ينسَ بوتين مواعيد الإذلال هذه ومعها ممارسات الأطلسي في يوغوسلافيا، ولاحقاً اقتلاع نظام صدام حسين ونظام معمر القذافي. لم ينسَ أيضاً أن بزات ضباط «الجيش الأحمر» كانت تباع مع أوسمتها بحفنة دولارات للسياح في شوارع موسكو. ارتكب الأوروبيون خطأ آخر. اعتقدوا أنهم يستطيعون اتقاء البرد بالغاز الروسي ومن دون دفع ثمن سياسي.
تعامل «بوتين الرهيب» مع الأزمة السورية بصفتها فرصة لإذلال الغرب. أدرك أن غورباتشوف يقيم هذه المرة في البيت الأبيض، لا في الكرملين. وأن أميركا منهكة بعد حروب جورج بوش. وأن أوباما المذعور يبحث عن أعذار لعدم التدخل. أعطاه الكيماوي السوري وطلب من سيرغي لافروف أن يتابع خداع كيري والإبراهيمي بـ «الهيئة الانتقالية للحكم». وهكذا كان.
مع اندلاع الأزمة الأوكرانية تقدم بوتين لكشف شهياته السوفياتية. انتزع لنفسه حق التلاعب بخريطة أوكرانيا. ألحق شبه جزيرة القرم بالاتحاد الروسي، وها هو يفرض على أوكرانيا نظاماً فيديرالياً ضعيفاً يحرمها من الأحلام الأوروبية أو الأطلسية، وإلا الغرق في الحرب الأهلية والتفكك. انتزع لنفسه حق التدخل لحماية الناطقين بالروسية في الدول المحيطة. انتزع لنفسه حق التلاعب بالخرائط والتوازنات داخلها.
نشهد الآن انقلاباً كبيراً على العالم الذي قام بعد سقوط جدار برلين وانتحار الاتحاد السوفياتي الذي اعتبره بوتين «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الماضي». السؤال الكبير هو هل يحتمل الاقتصاد الروسي مشروعاً بهذا الحجم؟ وماذا لو رد الغرب بتحويل سورية نفسها إلى فيتنام لروسيا وإيران معا؟ إننا في بدايات مرحلة جديدة.
نجح بوتين في بناء «الدولة القوية» في الداخل. كان بارعاً وقاسياً في تطويع حكام الأقاليم والجنرالات وأصحاب الثروات ومؤسسات الإعلام. اجتذب أكثرية الروس إلى مشروعه. الآن وبعد تطويع جورجيا وأوكرانيا علينا انتظار المسرح المقبل. لو كان يوري أندروبوف حياً لمنحه وساماً لم يسبق أن منحه لأي جاسوس سوفياتي. إنه جيمس بوند السوفياتي.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجاسوس السوفياتي الجاسوس السوفياتي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab