إيران و «سورية الروسية»

إيران و «سورية الروسية»

إيران و «سورية الروسية»

 العرب اليوم -

إيران و «سورية الروسية»

غسان شربل

حدثان سيستأثران باهتمام أهل المنطقة في السنة الحالية. والحدثان يعنيان الأمن والاستقرار والتعايش والتوازنات والخرائط. الأول مراقبة سلوك إيران بعد رفع العقوبات عنها اثر دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، والثاني الاتجاه الذي ستأخذه التطورات في «سورية الروسية»، بعدما تبين أن زيارة القوات الروسية لسورية لن تكون قصيرة. وبين الملفين علاقة وثيقة ذلك أن إيران حاضرة بقوة في سورية وإن كانت باتت تقيم هناك تحت قبعة الجنرال الروسي. وكان لافتاً تسريب موسكو نص الاتفاق الذي يشرعن تدخلها العسكري في سورية قبل أيام من رفع العقوبات عن إيران.

طبيعي أن تحتفل إيران برفع العقوبات. فاوضت ببراعة وتلاعبت بأوراق الضغط ولم تُضع فرصة وجود باراك أوباما في البيت الأبيض. وطبيعي أيضاً أن تسارع الشركات الغربية إلى إيران فهذه البلاد تحتاج إلى ورشة كبرى إذا قررت فعلاً تقديم خيار التنمية على خيار «تصدير الثورة» وهاجس الازدهار على هاجس الانتصار.

في رسالته إلى الأمة قال الرئيس حسن روحاني: «نحن الإيرانيين مددنا يدنا للعالم في إشارة صداقة طارحين خلفنا العداوات والريبة والمؤامرات وفتحنا فصلاً جديداً في علاقات إيران مع العالم». وأضاف: «نحن لا نشكل تهديداً لأي شعب أو حكومة». ولم يُخف وزير الخارجية محمد جواد ظريف فرحته بـ «اليوم السعيد».

لا مبالغة في القول إن العرب دفعوا في السنوات الماضية ثمناً باهظاً للطموحات الإيرانية. دفعوا ثمن سياسة «تصدير الثورة» وثمن سياسة تأهيل إيران للتفاوض مع أميركا من موقع القوة الأقوى في الإقليم عبر إضعاف الدور التقليدي للقوى الإقليمية المؤثرة فيه. ولا شك أن إيران نجحت في تحقيق اختراقات كبرى جاهرت في الاحتفاء بها. لكن هذه السياسة الهجومية وضعت المنطقة على أعتاب نزاع شيعي - سني مفتوح وكانت بين الأسباب التي سهلت ظهور تنظيم من قماشة «داعش». يكفي الالتفات هنا إلى الخرائط المريضة في العراق وسورية ولبنان واليمن.

يتمنى العربي أن يكون كلام روحاني عن «الفصل الجديد» في العلاقة مع العالم دقيقاً وسياسة رسمية لا تتبخر في التجاذب بين الإصلاحيين والمتشددين وبين ابتسامات الرئيس وصرامة مكتب المرشد. لا بل أن العربي يخشى أن تكون الصفحة الجديدة فُتحت مع الغرب وأن تستمر إيران تعامل جيرانها بمفردات الصفحة القديمة.

يتيح رفع العقوبات لإيران أن ترجع جزءاً من الاقتصاد العالمي الذي كادت العقوبات أن تبقيها خارجه. لكن الأهم بالنسبة إلى أهل المنطقة أن ترجع إيران إلى الأسرة الدولية دولة طبيعية تلتزم مفردات القاموس الدولي والتي تنص على دخول الدول من بواباتها لا اختراقها عبر أقلياتها. يحق للدولة الطبيعية أن توسع نفوذها عبر الاقتصاد والتعاون والإشعاع الثقافي وليس عبر المرابطة على أراضي الآخرين ودعم الجيوش الموازية. وواضح من تعليقات عربية وغربية أن ثمة تخوفاً من أن توظف عائدات الاتفاق النووي وهي كبيرة في دعم موازنة «الحرس الثوري» وبرنامج الفتوحات. وأوحت بعض التصريحات الإيرانية على طريق الانتخابات المقررة الشهر المقبل لمجلسي خبراء القيادة والشورى أن إيران الحالية تشبه قلعة تخاف من تسلل رياح الانفتاح الجدي وكأن التوتر شرط دائم لتماسك القلعة.

واضح أن الملف السوري سيشكل امتحاناً كبيراً لإيران ما بعد الاتفاق. هناك حقائق بات يتعذر إنكارها. حصل الرئيس فلاديمير بوتين عملياً على تفويض من الذين تحلقوا حول طاولة فيينا لتطبيق ما اتفقوا عليه هناك وما جاء في قرار مجلس الأمن. ثمة حقيقة ثانية وهي أن إيران لم تنجح عبر أذرعها في إنقاذ النظام السوري في حين قام الجيش الروسي بهذه المهمة وها هو يجري تعديلاً متزايداً على ميزان القوى. لقد رسم التدخل العسكري الروسي حدوداً ليس لـ «داعش» و»النصرة» وحدهما بل أيضاً لمجمل المعارضة السورية وداعميها.

قراءة بنود الاتفاق الروسي - السوري دفعت بعض الديبلوماسيين إلى الذهاب بعيداً واستخدام عبارات من نوع «الانتداب الروسي» و»سورية الروسية». ولكن بغض النظر عن التسميات فان الواضح هو أن جمر النزاع في سورية وحولها بات بين يدي القيصر خصوصاً أن الاتفاق أظهر أن إقامة «مجموعاته الجوية» مفتوحة وتحظى بحصانات استثنائية.

هذا الواقع يُلزم روسيا بالتحرك نحو حل يجنبها اشتباكاً طويلاً يمكن أن يكون مكلفاً لاقتصادها وكذلك لعلاقاتها بمسلميها وبالعالم السني. يلزمها بحل واقعي أو شبه واقعي. وأي حل قابل للحياة في سورية لا يمكن أن يتطابق مع رغبات إيران. ليس هناك حل في سورية يُعيد إلى إيران النفوذ الذي كان لها في دمشق قبل اندلاع المواجهات. والأمر نفسه بالنسبة إلى «حزب الله» اللبناني.

نجح تدخل بوتين في منع انهيار النظام السوري ونجح في إرجاء البحث في مصير رئيسه. لكن كلام بوتين عن دستور جديد وانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة يكشف عدم التطابق مع النظام وإيران معاً. أي حل قابل للحياة في سورية سيخرجها من فلك البلدان الأربعة التي تغنى قادة «الحرس الثوري» بانضوائها تحت المظلة الإيرانية. الحل يعني أيضاً ضرب الإرهابيين وخروج المليشيات التي وفدت إلى سورية لنصرة المعارضة أو النظام وربما يساهم ذلك في تفسير بقاء لبنان يتيماً بلا رئيس للجمهورية.

ستكشف تطورات الملف السوري ما إذا كانت إيران ما بعد الاتفاق النووي، أكثر مرونة من إيران التي كانت تسعى إليه. هل تستطيع تقريب الحل الروسي من رؤيتها؟ وهل يستطيع النظام المغامرة بإفراغ بعض اقتراحات بوتين من مضمونها مستنداً إلى الدعم الإيراني؟ وكيف يرد القيصر فقد صارت سورية رهانه وامتحانه ومستقبل صورته؟

يتمنى العربي أن تكون إيران فتحت فصلاً جديداً معه أيضاً. علينا أن نراقب ما يجري في دمشق. ما يجري في بغداد ومحافظة ديالى. وفي صنعاء وبيروت. وفي العلاقات السنية - الشيعية. والعلاقات الإيرانية - السعودية والعلاقات الإيرانية مع العرب والأتراك. وقبل الاستنتاج لا بد من الانتظار فهو أفضل مستشار.

arabstoday

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 08:51 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

الذهنية الطائفية

GMT 09:13 2024 الأحد ,11 آب / أغسطس

فى انتظار الحرب الإقليمية!

GMT 08:29 2024 الأحد ,11 آب / أغسطس

إيران وإسرائيل وصراع الهويات

GMT 10:48 2024 الخميس ,30 أيار / مايو

إيران بعد رئيسي: "سلسلة فولاذية للقيادة"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران و «سورية الروسية» إيران و «سورية الروسية»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab