الذهنية الطائفية

الذهنية الطائفية

الذهنية الطائفية

 العرب اليوم -

الذهنية الطائفية

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

في صراعات الشرق الأوسط المظفَّرة بالهويات القديمة والمعجونة بها لا يستطيع أي طرفٍ التغلب على الآخرين بالتغاضي عنها وعدم الخوض فيها والانتباه لها. الهويات القديمة لا تنتهي، ولكن يمكن الحد من تأثيراتها السلبية عبر العلوم والمفاهيم وعبر الدول والقوانين، وهويات أوروبا القديمة ما زالت موجودة، ولكنها استطاعت الحد منها عبر ثلاثة قرونٍ من تطور الفلسفة والمجتمع والدولة هناك.

فجّر المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، جدلاً مستحَقاً، حين كتب تغريدة في موقع «X» يقول فيها: «إني سِلمٌ لِمن سَالَمَكُم وَحَربٌ لِمَن حَاربَكُم إلى يَوْم القِيَامَة. المعركة بين الجبهة الحسينيّة والجبهة اليزيديّة مستمرّة ولا نهاية لها»، وهي تعبيرٌ دقيقٌ عن الذهنية الطائفية التي أصبحت واقعاً فعلياً في إيران منذ قيام ما كان يُعرَف بـ«الثورة الإسلامية»، قبل أربعة عقودٍ من الزمن.

تلت هذه التغريدة الصارخة تغريداتٌ أخرى سعت لتخفيف وقعها الطائفي الصارخ إلى معنى العدل والظلم، ولكنها تغريداتٌ لم تستطع التأثير على وقع القنبلة الطائفية ولا السيطرة على التفاعلات التي لحقتها، وهي لا تشكل جديداً بالنسبة للباحث المختص والمتابع المتعمق، بل الجديد هو صراحتها ومباشرتها في خطابٍ يُنشَر للكافة.

السؤال المستحق هو: لماذا؟ لماذا يتم الإفصاح عمّا كان متوارياً من الذهنية الطائفية؟ وهل ثمة ما يستدعي مثل هذا الإفصاح الذي يستدعي ضجة كبرى؟ والجواب هو: نعم، فالسياق السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة يستدعي إظهار هذه الطائفية وإثارة اللغط حولها للتشويش على المشهد وتغطية الإخفاقات المتعددة.

محور المقاومة يخسر على جميع المستويات في المنطقة؛ فعلى المستوى السياسي خسر بظهور أنه ينسق مواقفه مع الولايات المتحدة الأميركية، ويزن ردود أفعاله بموافقتها، وهو ما سبق أن عبر عنه الرئيس السابق دونالد ترمب صراحة، وما تفعله وفود إدارة بايدن الحالية، كما خسر سياسياً وعسكرياً في مواجهة إسرائيل التي ضربت كل أتباعه في المنطقة، من غزة المظلومة التي تركها محور المقاومة لمصيرها الذي أرداها فيه إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، وصولاً إلى لبنان والضربة الموجعة لـ«حزب الله» اللبناني التابع لإيران بشكل عنيفٍ تبع استهداف المئات من رموزه وقياداته.

وأكثر من هذا تصاعد الاستهدافات لرموز هذا المحور السياسي في المنطقة، في قلب طهران، وفي مقر الحرس الثوري الإيراني وانكشاف خطاب هذا المحور أمام كل أتباعه وجماهيره، فكان لا بد من إثارة معركة صارخة تشتت تركيز الأتباع وتخلط الأوراق.

أكبر الخسائر لهذا المحور هي في بروز نماذج تنموية باهرة في دول الخليج العربي باتت تمثل إشعاعاً مؤثراً على جماهير هذا المحور الراغبة في الحصول على تجارب تنموية قريبة منها، فكان لا بد من إثارة الذهنية الطائفية والعودة بالأتباع للهويات القاتلة.

هذا التوجه الطائفي هو تعبيرٌ عن الهامش المسكون بمخالفة المتن ومعاداته، يعرف نفسه بعدائه لغيره، وهي تبعية من نوع خاص، وإن أرادت الرفض والممانعة، ووصفها بالمعركة والحرب دليلٌ على عمقها وتجذرها، وهي تعبيرٌ خاطئ جداً عن التاريخ، فالحسين بن علي رمزٌ للسنة كما هو رمزٌ للشيعة، فلا خصوصية للشيعة به عن غيرهم. وأما يزيد، فليس رمزاً للسنَّة بأي حالٍ من الأحوال، بل في التصنيف خاطئ، فلئن كان الحسين رمزاً لدى الشيعة فيزيد ليس رمزاً لدى السنَّة، بل في السنَّة من يلعنونه ويكفِّرونه، مثل ابن الجوزي وغيره، وأغلب فقهاء السنة لا يرونه ممثلاً لبني أمية، فضلاً عن أن يكون ممثلاً لأهل السنة والجماعة، وعلى طول التاريخ الإسلامي كان «السنة» هم المتن وغيرهم من الأقليات هم الهامش، كما أفاض في هذا المفكر المغربي عبد الله العروي وآخرون.

الذهنية الطائفية ضيقة، ومنحازة ومتعصبة كأي أقلية، فلا يمكن أن تقود أمة، ولا توحد شعباً، وكم كانت خاطئة دعوات «التقريب» بين السنة والشيعة، لأنها مستحيلة التحقق، بينما الحل الحقيقي في «التعايش» واحترام كل طرفٍ للطرف الآخر في ظل القوانين الصارمة.

كانت وصية المرشد الأعلى الأول في إيران «الخميني» وصية طائفية، ومع تقدم المرشد الأعلى الثاني في السن تبدو هذه وكأنها وصية طائفية ثانية، للتأكيد على وحدة المسار وتوحد الذهنية الطائفية، وهذا حديثٌ وإن بدا فكرياً إلا أنه سياسي بامتيازٍ.

أخيراً، فما أكثر ما يمكن أن يقال عن الذهنية الطائفية حين تخرج صريحة عارية لتكشف المستور وتوضح الغامض.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذهنية الطائفية الذهنية الطائفية



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab