أوباما في الغابة

أوباما في الغابة

أوباما في الغابة

 العرب اليوم -

أوباما في الغابة

غسان شربل

في الطائرة الرئاسية يهاجمه النعاس. شيء من اليأس. وكثير من القلق. قصة أميركا مع العالم صعبة ومعقدة. إذا أرسلت جيشها ارتفع صراخ الاحتجاج. إذا ابتعدت نددوا بانسحابها وبدا العالم أشد خطورة.
ما أصعب أن تقنع الناس. إن عبء إدارة العالم يفوق قدرة الولايات المتحدة. لا اقتصادها يحتمل ولا العالم يطيق. ومن قال إن من حقها أن تقتلع نظاماً هنا وتنصب نظاماً هناك. للآلة العسكرية الهائلة حدود. للاقتصاد الهائل المتعب حدود. ثم إن الذين يطالبون أميركا باقتلاع ديكتاتور أو لجم مستبد يطلون في اليوم التالي رافضين العيش تحت «الهيمنة الأميركية».
المشاهد ليست مشرقة أبداً. علم «القاعدة» يرفرف في الفلوجة التي ارتوت بدماء الأميركيين. نفوذ الولايات المتحدة التي أنفقت هناك البلايين والأرواح يقل عن نفوذ الجنرال قاسم سليماني. يذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع فتفوز مشاعر الاحتراب والطلاق على مشاعر التعايش.
المشاهد ليست مشرقة أبداً. يعرف أن كثيرين يتهكمون اليوم على الخط الأحمر الذي رسمه لبشار الأسد. صحيح أنه سلم حتى اليوم معظم ترسانته الكيماوية لكن الصحيح أيضاً هو أن وضعه اليوم أفضل بكثير مما كان يوم إنذار الخط الأحمر. وأن وضع الشعب السوري أسوأ بكثير مما كان في ذلك اليوم. لو أرسل الجيش لسحق نظام الأسد من دون تفويض من الأمم المتحدة لقالوا إنه تصرف بمنطق البلطجي تماماً كما فعل جورج بوش حين اقتلع نظام صدام حسين. يتمتم. أهدى بوش العراق إلى إيران أنا لن أقدم سورية هدية لـ «القاعدة».
أيام البهجة عابرة. كان ذلك اليوم مثيراً ورهيباً. احترقت أعصابه وهو ينتظر النتيجة. فجأة أبلغوه. قتلنا أسامة بن لادن. صيد تاريخي بامتياز. لكن أعلام «القاعدة» ترتفع اليوم في سورية. والعراق. واليمن. ومالي. لا تستطيع أميركا أن تخوض كل هذه الحروب. على الدول المعنية أن تتحمل مسؤولياتها. وأن تدفع الثمن. أميركا ستأتي في صورة طائرات بلا طيار.
يغلبه الحزن. ما أقوى أميركا. تستطيع بآلتها العسكرية المذهلة سحق أي نظام. تبدأ الخسارة في اليوم التالي. ما أضعف أميركا. لا تستطيع بناء نظام بديل مقنع. تجربة ألمانيا واليابان مختلفة. إننا نتحدث اليوم عن مسرح آخر. مسرح تفصله مئات السنوات عن ذلك الذي شهد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية وأفكار عصر النهضة وفصل الكنيسة عن الدولة. لا أميركا تفهم هذا العالم ولا هو يفهمها.
يتذكر خطابه اللامع في القاهرة. صحيح أن «الربيع العربي» كشف تبرم الناس بالطغيان والفشل الاقتصادي وتطلعهم إلى الحرية وفرص العمل. لكن الصحيح أيضاً أنهم يمزقون عباءة الظلم ثم يقعون تحت عباءة الظلام وغالباً عبر صناديق الاقتراع. القصة ثقافية قبل أن تكون سياسية.
يجول الآن لطمأنة البلدان القلقة من صعود العملاق الصيني. يبرم اتفاقات ويجدد التزامات ويوزع ضمانات وضمادات. أكثر ما يقلقه حالياً هو سلوك البلطجي الوافد من الصقيع. يدفع فلاديمير بوتين العالم إلى منطقة شديدة الغموض. ليس بسيطاً أن يلتهم شبه جزيرة القرم بهذه الشراهة. وأن يرغم أوكرانيا على التفكك. يقول في نفسه. أدرك بوتين ما أدركته أنا هو أن حقبة التفرد في إدارة العالم قد انقضت. وأن أميركا التي غرقت في المستنقعين العراقي والأفغاني نزفت من اقتصادها ودمها ما يمنعها من متابعة الحروب الجوالة.
العالم شديد الصعوبة. هذا وافد من عباءة الـ «كي جي بي». وهذا من كتاب ماو تسي تونغ. وذلك تسلل من قبر كيم ايل سونغ. وجاء آخرون من الاستبداد الشرقي العميق وذعر الأقليات. عبثاً ينصحهم بعدم الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ. عبثاً يحدثهم عن الديموقراطية وفرص العمل. يعرف أنهم يسخرون منه. يقولون إنه أكاديمي في غابة. وإنه يصلح لإدارة مكتب محاماة. أو محاضراً في جامعة. وإن إدارة الغابة الدولية تستلزم ذئباً متمرساً.
يغمض باراك أوباما عينيه. قدره أن يعيد الجنود تاركين الديموقراطية في عهدة «القاعدة» و «طالبان». يفر من الأزمات وتلاحقه. يفر من إغراء التدخل. ما أصعب الإقامة في البيت الأبيض. حتى ولو قتلت أسامة بن لادن ونلت جائزة نوبل للسلام. العالم متعب. والكونغرس مزعج. وبنيامين نتانياهو محارب كذاب وأعمى. ذهبت بهجة انهيار جدار برلين. عاد العالم غابة يمكن فيها تمزيق الخرائط ومحو المدن ورسم حدود الهويات بالدم والسكاكين. لن يستطيع إنقاذ العالم. تلقى عرضاً استثنائياً ثمناً لمذكراته. زوجته ميشيل لم تضع الفرصة بدأت هي الأخرى بتدبيج مذكراتها.

 

arabstoday

GMT 08:34 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

عصر “مقاومة ترامب”!

GMT 08:31 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

سيكون على إيران القبول بحكومة نوّاف سلام!

GMT 08:28 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

لا التأجيج ولا التحشيد ولا التخويف

GMT 02:27 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

بدل مشروع مارشال

GMT 02:14 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

غزة... الريفييرا و«الدحديرة»!

GMT 02:01 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

عِظة ترمب... وانفجاراتنا

GMT 01:59 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

وفاة آغاخان إمام النزارية

GMT 01:55 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما في الغابة أوباما في الغابة



دينا الشربيني بإطلالات متفردة ولمسات جريئة غير تقليدية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:42 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"
 العرب اليوم - شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"

GMT 02:14 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

غزة... الريفييرا و«الدحديرة»!

GMT 08:31 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

سيكون على إيران القبول بحكومة نوّاف سلام!

GMT 16:16 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

60 شاحنة إغاثية سعودية تنطلق إلى سوريا

GMT 15:13 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

حصيلة شهداء الحرب على غزة تتجاوز 48 ألفا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab