غسان شربل

غسان شربل

غسان شربل

 العرب اليوم -

غسان شربل

بقلم : غسان شربل

 

منذ إعلانِ نتائجِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ الأميركية، يعيشُ العالمُ على توقيتِ رجلٍ اسمُه دونالد ترمب. لم نعاينْ مثلَ هذا المشهدِ من قبل. لم يحبسِ العالمُ أنفاسَه حينَ سلَّمتْ روسيا في بدايةِ القرنِ مفاتيحَ الكرملين إلى رجلٍ غامضٍ جاءَ من أروقةِ الـ«كي جي بي» واسمُه فلاديمير بوتين، ولا حينَ تُوِّج شي جينبينغ إمبراطوراً على عرشِ بلادِ ماو تسي تونغ.

نادراً ما يلتفتُ العالمُ إلى ساعتِه بسببِ إطلالةِ رجل. هل هِيَ هالتُه، أم هالةُ بلادِه، أم التقاءُ الهالتين؟ ثم إنَّ العالمَ عرفَه في ولايةٍ سابقةٍ وجرَّبَه، ورآه بعدها مطارَداً أمامَ المحاكمِ وفي وسائلِ إعلامٍ كبرى، ثم رآهُ يخوضُ السّباقَ مجدَّداً، يريدُ استعادةَ عظمةِ أميركا، يطلقُ الجُمَلَ القصيرةَ المسنونة، ويرقصُ، وينجو من محاولاتِ اغتيال، ويرفعُ قبضتَه، ويلمعُ الدَّمُ مع ربطةِ العنقِ الحمراء.

نادراً ما يلتفتُ العالمُ إلى ساعتِه من أجلِ رجلٍ واحد، لكنَّه فعل. سادَ اعتقادٌ بأنَّ الأميركيين ألقوا حجراً هائلاً في بحيرةِ القريةِ الكونية، وتخوَّفَ كثيرون من تسونامي يُعيدُ ترتيبَ المقاعدِ في مناطقَ قريبةٍ وبعيدة، يعرفُ الأوروبيون أنَّه لا يفردُ للقارَّةِ القديمةِ موقعاً مميزاً في قراءةِ العالمِ بأخطارِه وحلوله. سبقَ أن وبَّخَهم؛ لأنَّهم يُلقون على أميركا مسؤوليةَ الدّفاعِ عنهم، ويَبخلونَ في دفعِ الأثمان، يعرفونَ أنَّه عازفٌ منفرد، وأنَّه لن يستأذنَ قبلَ إطلاقِ مفاجآتِه لا الرئيسَ الفرنسي، ولا رئيسَ الوزراء البريطاني، ولا المستشارَ الألماني.

البيتُ الأبيضُ في عُهدةِ رجلٍ قوي، رجلٍ يزعمُ أنَّه يملك علاجاتٍ حاسمةً لمريضٍ اسمُه العالم؛ علاجاتٍ في الأمن والاقتصادِ والهجرة والأزماتِ المفتوحة، علاجاتُه لا تتَّكئُ على تشخيصاتِ أنطونيو غوتيريش وعيادتِه. الدَّواءُ المرُّ هو الصفقة، ومن يرفض تناولَ الدواءِ يستحق غضبَ السيد الرئيس، وهو الطبيبُ الوحيد، لهذا بدا زيلينسكي حزيناً بعد إعلان النتائج. انتهَى عهدُ التفويضِ المفتوح، وانتهَى عهدُ ضخ الملياراتِ والأسلحة في العروق الأوكرانية، في العلاج الذي يمكنُ أن يُوقِفَ تقدّمَ قواتِ القيصرِ لا بد لبلاد زيلينسكي من تجرُّع بعضِ السُّم. لا يرى بوتين روسيا مصدراً للخطرِ الكبير حتى ولو أُحضرت إلى أوروبا قواتُ «صديقه» كيم جونغ أون. الخطرُ الكبيرُ يأتي من الصّين، وهو أعدَّ لها علاجاتٍ قد تكون مؤلمةً لاقتصادِها واقتصادِ العالم معها.

كانَ عامُ الانتخابات الأميركية مثيراً، وكانَ عام الشرق الأوسط رهيباً، تابَع أهلُ المنطقةِ سباق البيت الأبيض على وقع الغاراتِ والصواريخ والمسيّرات. على وقع المجازرِ الجوّالة، تحوَّلت غزةُ بحيرةَ دمٍ تختنقُ بالركام والجثثِ وأمواج النازحين، والآنَ تتكرَّر المشاهدُ الغزاويةُ في لبنان. لنترك جانباً الملاحظات على إدارة «حماس» لمشهدِ ما بعد «الطوفان»، وخيار «حزب الله» في إطلاقِ «جبهة الإسناد»، وقدرة لبنان على احتمالِ دورٍ إقليمي يفوق طاقته، السُّؤالُ الأوَّلُ الآن هو عن وقفِ القتل.

من حق أي فردٍ في الشرقِ الأوسط أن يحبَّ أميركا أو يكرهَها، الأمرُ نفسُه بالنسبة إلى دونالد ترمب، لكن أهل المنطقة يجدون أنفسَهم أمام أمرٍ واقع لا مناصَ منه، وهو أنَّ الرجلَ الذي استعاد البيت الأبيض هو الوحيد القادر على وقف القتل حتى قبل تسلُّمه مهامَّه رسمياً.

وقفُ النَّارِ ليس مطلباً جديداً، طُرح مراتٍ عدة في الشهور الماضية، واصطدمَ دائماً بإصرارِ بنيامين نتنياهو على استكمال ما سمَّاه أهدافَ «الحرب الوجودية» التي تخوضُها إسرائيل، ذهبَ أبعدَ من ذلك، وتحدَّث عن إطلاقِ انقلاب على موازين القوى السابقة في الشرق الأوسط، وانتقلتِ المعركةُ عنده من مواجهة «أذرع» إيرانَ إلى تبادُلِ الضربات معها. حاول جو بايدن العملَ من أجل صفقةٍ في غزةَ تشمل إطلاق الرهائن، وحاول استكشافَ إمكانِ وقف النار على جبهة لبنان، التفّ نتنياهو على كلّ الضغوطِ الأميركية، ولم يُرِدْ تقديمَ هدية لبايدن، وبدا أنَّه يراهن على وصولِ ترمب.

أعطَى الأميركيون ترمب تفويضاً واسعاً، وهو تعهّد بطَيِّ صفحة الحروبِ من أوكرانيا إلى غزةَ ولبنان، وهناك من يعتقد أنَّ نتنياهو غير قادرٍ على الامتناع عن تقديم هديةٍ لترمب، ولهذا تجدَّد الحديثُ عن جهودِ المبعوث الأميركي آموس هوكستين.

يحتاج لبنان إلى وقفِ النَّار سريعاً. تمديدُ الحربِ يعني تمديدَ الكارثة، وباستطاعة أميركا أن ترفقَ تطبيق القرار 1701 بتعهدٍ بحلّ الخلافاتِ الحدودية سريعاً، ويحتاج نجاحُ وقف النار إلى موقفٍ لبناني يعكس قراراً صريحاً بإعادة جبهة جنوب لبنان إلى كنفِ الدولة اللبنانية، وإخراجها من أي مهماتٍ ذاتِ طابع إقليمي. تزداد أهميةُ وضوحِ الموقفِ اللبناني بعد كلامٍ يتردَّد في المجالس الخاصة من أنَّ دولَ العالم «لن تنخرطَ في المساعدة في إعادةِ إعمار لبنان إذا كانتِ الحربُ ستعود بعد حفنةِ سنوات».

إخراجُ جبهةِ جنوب لبنان من الشِّقِّ العسكري في النزاع مع إسرائيل ليس قراراً بسيطاً بالنسبة إلى «حزب الله» وإيران، لكن هل يملك اللبنانيون خياراً آخرَ لوقف الحربِ التي فاقت أهوالُها وخسائرُها الحروبَ السابقة؟ للخروج من المأساة لا بدَّ من قراراتٍ صعبة، ومن حق الدولةِ اللبنانيةِ أن تقتديَ بسوريا والعراق في محاولتهما الابتعادَ عن دائرةِ النار، خصوصاً بعدما دفعت ثمناً باهظاً للإقامة فيها.

مهمةُ وقفِ النَّار ليست سهلةً، تحتاج إلى دورٍ أميركي حازمٍ ومتبصّرٍ. لا بدَّ من ترميمِ الدَّولةِ في لبنان، ولا بدَّ في غزةَ من إعادةِ فتحِ أبواب الأملِ أمام الشعب الفلسطيني، الأمل بفتحِ الطريقِ إلى قيام دولة فلسطينية.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غسان شربل غسان شربل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab