لماذا نعتدي على العالم

لماذا نعتدي على العالم؟

لماذا نعتدي على العالم؟

 العرب اليوم -

لماذا نعتدي على العالم

بقلم ـ غسان شربل

كلما دوّى انفجار في مدينة في العالم يتكرر المشهد نفسه. أخرج إلى قاعة التحرير. أرى الأنظار شاخصة إلى الأخبار العاجلة على الشاشات. وأسمع همهمة زملائي. المهم ألا يكون المرتكب عربياً. المهم ألا يكون المرتكب مسلماً. لا نحتاج إلى المزيد. أسمعهم وأشاركهم تمنياتهم. لكن الأحداث سرعان ما تكذّب تمنياتنا. لم يعد سراً أن الاعتداء على العالم اختصاص مروع نتفرّد به وبات من اختصاصنا.

أعرف تماماً أن الرجل الذي دهس السياح هنا أو هناك لا يمثل البلد الذي جاء منه. ولا الطائفة التي ينتمي إليها. وأنه لم يحصل على إذن رسمي بارتكاب جريمته. وأنه مطلوب للعدالة في بلده قبل أن يكون مدرجاً على اللوائح الدولية للمطلوبين. وأن خطورته على مسقط رأسه تفوق خطورته على مسرح الجريمة البعيد.

أعرف أن التعصب ليس حكراً على أبناء منطقة أو طائفة أو بلد. وأن الموتورين أبناء ينابيع كثيرة ومختلفة. لكن علينا الاعتراف بلا مواربة بأننا أصحاب الأرقام القياسية في الاعتداء على العالم. وأننا حجزنا موقعاً لا يقهر في موسوعة «غينيس».

أنا لا أبالغ عزيزي القارئ. مشهد السياح ينزفون حتى الموت بفعل ارتكاب وافد من عالمنا يوقعني في ارتباك شديد. لا أعرف لماذا أشعر بواجب الاعتذار. لعائلة صيني صودف وجوده في برشلونة. أو ياباني خطر بباله أن يتنزه في نيس. أو ألماني ارتكب زيارة للأقصر.

هذا رهيب. من أعطانا حق استباحة الخرائط والدول والمدن؟ من أعطانا حق اغتيال شبان يحتفلون بالحياة في إسطنبول؟ ومن أعطانا أصلاً حق اغتيال المقيمين في البرجين في نيويورك؟ التذرع بظلم لحق بنا هنا أو هناك هو مجرد ستارة لإخفاء شهوة عميقة في قتل الآخر المختلف. رغبة عميقة في شطب من لا تتطابق ملامحه وانتماءاته مع ملامحنا وانتماءاتنا. ولنفترض أن ظلماً حصل؛ فهل نعالجه بإلحاق ظلم أشد بأبرياء؟ إن الحديث عن كره العالم لنا ليس صحيحاً. لا يمكن إنكار ممارسات مسيئة محدودة تحدث في الغرب أحياناً رداً على ممارساتنا الفظة، لكنها لا ترتقي بالتأكيد إلى مستوى ولائم القتل التي ننظمها على مسارح مختلفة ومتباعدة. ومن يعرف الغرب يعرف أن للقانون هناك سيادة وأولوية يستفيد منها حتى دعاة الكراهية. ويعرف كثيرون أن الجاليات العربية والإسلامية تتمتع في أوروبا بحرية تفتقد إليها في أحيان كثيرة في بلدانها الأصلية.

لماذا نعتدي على العالم؟ هل لأنه اختار الإبحار نحو المستقبل فيما تمسكنا نحن بالإبحار نحو الماضي؟ هل لأنه اخترع الطائرة التي نسافر فيها؟ والسيارة التي نستقلها؟ ودواء السرطان الذي نستخدمه في مستشفياتنا؟ ثم ما صحة هذه الكراهية للغرب ونحن نشتهي أن نرى أبناءنا وأحفادنا يتخرجون في جامعاته؟

لماذا نعتدي على العالم؟ هل لأننا فشلنا في بناء دول حديثة؟ وفي تحقيق التنمية؟ وفي توفير فرص العمل؟ وفي ضمان الحريات وتركيز حكم القانون؟ هل نعتبر تقدم الآخر هزيمة لنا وتهديداً لوجودنا؟ وهل الحل أن ننفجر به، أم نخرج من الأنفاق التي ارتضينا الإقامة المديدة في عتمتها؟ هل صحيح أننا نشعر بالرعب من تعدد الألوان وتعدد الخيارات والفرص ونخاف على عالم اللون الواحد الذي نتوهم أنه ضمانة وجودنا واستمرار هويتنا بعيدة عن أي تفاعل أو اغتناء؟ هل صحيح أننا نشعر بالذعر كلما سمعنا أجراس العصر تقرع؟ أجراس العصر في العلم والتكنولوجيا والطب والأفكار والثقافة والتعليم والموسيقى.

لماذا نعتدي على العالم؟ ومن أين جئنا بهذه الشحنة الهائلة من الكراهيات؟ ولماذا يغرينا الاصطدام المروع بالعالم بدل العيش معه وفيه؟ ولماذا نفضل الانفجار على الحوار؟ والموت على التفاعل والتسوية؟ والركام على الإقامة في بيوت مشتركة؟ والرماد على التعدد؟ والانكفاء على اليد الممدودة؟ وصفة القاتل أو المقتول على محاورة الآخر وتبادل الاعتراف معه؟

لن نستطيع الاستمرار في الاعتداء على العالم. هذه السياسة تعني تدمير مجتمعاتنا قبل تدمير مقهى أو متحف أو برج في عالم الآخرين. القتلة الجوالون يقتلون بلدانهم الأصلية حين يتوهمون قتل الآخرين. هذه الدول التي تبدو هشة قادرة على التعايش مع الخطر، لأنها دول ومؤسسات تخطئ وتصحح وتعيد الحسابات وتوفر الإمكانات.

حان الوقت لتكون الحرب على التطرف البند الأول في حياتنا. لا بد من إنهاء قاموس التطرف في البيت والحي والمدرسة والمناهج على اختلافها. لا بد من وقف تدفق أمواج الكراهية على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي. يجب أن نسأل أنفسنا عن الثقافة التي تنجب هذا الميل إلى الاعتداء على العالم، ومن دون مواجهة عقلانية جريئة، فسنغرق أكثر في الوحل والدم وسننجب المزيد من القتلة الجوالين.

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ترمب يتقدَّم... الرجاء ربطُ الأحزمة

GMT 00:13 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

«الطوفان» الروسي

GMT 00:14 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

غزة بين بصمات أميركا وإيران

GMT 23:35 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

دولة لا غنى عنها

GMT 00:53 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الخروج من الأنفاق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا نعتدي على العالم لماذا نعتدي على العالم



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:53 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

إيران تتراجع عن تسمية شارع في طهران باسم يحيى السنوار
 العرب اليوم - إيران تتراجع عن تسمية شارع في طهران باسم يحيى السنوار

GMT 08:49 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

بوستر أغنية مسابقة محمد رمضان يثير الجدل
 العرب اليوم - بوستر أغنية مسابقة محمد رمضان يثير الجدل

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 18:25 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

إخلاء تجمع سكني في تل أبيب بعد وقوع حادث أمني

GMT 08:49 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

بوستر أغنية مسابقة محمد رمضان يثير الجدل

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شمس البارودي تتحدث للمرة الأولى عن رحيل زوجها وابنها

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:53 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

إيران تتراجع عن تسمية شارع في طهران باسم يحيى السنوار

GMT 10:27 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab