القصة ليست أفغانستان

القصة ليست أفغانستان

القصة ليست أفغانستان

 العرب اليوم -

القصة ليست أفغانستان

غسان شربل
بقلم :غسان شربل

القصة ليست أفغانستان. فنحن لا نتحدَّث هنا عن روسيا أو الصين أو دولة أوروبية كبرى. أي إنَّنا لا نتحدَّث عن دولة تنام على ترسانة نووية أو اقتصاد مؤثر في محيطه أو العالم. أفغانستان دولة عادية كمعظم الدول. يستطيع العالم أن ينسى طبيعة نظامِها واسم من يحكمها وعلاقة حكومتها بمواطنيها.
ولعلَّ موقعها الجغرافي هو الذي عرّضها لغزوات كثيرة رجعت خائبة بفعل صعوبة التضاريس وعناد حراسها.
ورغم وقوعها على مفترق طرق والتذكير مجدداً بموقعها على طريق الحرير، فإنَّ العالم يستطيع أن ينسى أفغانستان إلا إذا تحولت مفاعلاً يرسل إشعاعات تقلق الدول القريبة والبعيدة. وهذا ما حدث. دخلت أفغانستان يوميات العالم حين ارتكب ليونيد بريجنيف خطيئة التدخل في هذا البلد الشائك. عزز حضورها على شاشات العالم اهتمام الولايات المتحدة بتحويل أفغانستان فخاً قاتلاً للإمبراطورية السوفياتية التي فاق توسعها قدرة اقتصادها. ومنذ تلك الأيام وقعت أفغانستان في قلب لعبة أكبر منها حتى ولو دارت على أرضها.
قبل عقدين دخل 11 سبتمبر (أيلول) دفتر المواعيد الكبرى في العالم. انضمَّ لجهة تكرار ذكره إلى قائمة الأيام التي تحولت منعطفات مثل سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، طبعاً مع حفظ الفوارق. بعد أيام يرجع هذا التاريخ مجدداً لكن في أفغانستان مختلفة وفي عالم مختلف أو شبه مختلف. حين يرجع 11 سبتمبر بعد أيام سيجد «طالبان» في استقباله وبوصفها القوة التي عادت إلى الحكم في كابل. لن يجد التاريخ العائد أي أثر للجيش الأميركي في أفغانستان رغم الدم الذي تركه على صخورها ومليارات الدولارات التي أُنفقت في محاولة اختراع تركيبة تضمن عدم عودة «طالبان».
واضح أنَّ أميركا طوت صفحة الحملة التأديبية التي شنَّتها غداة هجمات نيويورك وواشنطن واستقالت من وهم زراعة الديمقراطية بواسطة الجراحات العسكرية. اختتمت الرحلة الأفغانية بعدما كانت اختتمت الرحلة العراقية. وفي موازاة الرحلتين شنَّت أميركا حرباً عسكرية ومالية بلا هوادة أدَّت إلى قصم ظهر «القاعدة» و«داعش» والتنظيمات التي تدور في هذا الفلك.
ارتكبت أميركا أخطاء كارثية في العراق. وارتكبت أخطاء في أفغانستان. لكن في المقابل هل نستطيع تخيل العالم لو انحنت أميركا لـ«القاعدة». رغم الأخطاء والخطايا، لعبت أميركا بقدراتها الهائلة دوراً كبيراً في التصدي للإرهاب، وهو دور ما كانت لتقوم به روسيا أو الصين اللتان تقدمان معركة استنزاف أميركا على معركة مواجهة الإرهاب.
في 11 سبتمبر الجديد بات السؤال يتعلَّق بما بعد «أفغانستان الأميركية». حزمة أسئلة تفرض نفسها على الأفغان والدول المجاورة والعالم. أسئلة يدخل في باب الادعاء زعم امتلاك أجوبة سريعة عنها. أول الأسئلة: هل استخلصت قيادة «طالبان» ما يجب أن تستخلصه من العقدين الماضيين؟ وهل باتت مستعدة للتعايش مع النظام الدولي إن لم تكن بعد جاهزة للانخراط فيه؟ وهل باتت تعتقد أنَّ واجبها هو تحسين شروط من يعيشون داخل الخريطة وليس دعم المتسللين إلى الخرائط حاملين مشروع انتحار ومتمنطقين بالأحزمة الناسفة؟ تقول «طالبان» إنَّ الأراضي الأفغانية لن تكون منطلقاً لأي تهديد للدول الأخرى. التجربة وحدها ستقدّم الجواب الحاسم.
أسئلة كثيرة تتعلَّق بالرابحين والخاسرين. هل صحيح ما يردّده البعض أنَّ باكستان حقَّقت انتصاراً كبيراً وضمنت هذا العمق الاستراتيجي أكثرَ من أي يوم مضى؟ وهل عاد العالم محتاجاً إلى المعبر الباكستاني للحوار مع «طالبان» وتدريبها على شروط الرقص مع المجتمع الدولي؟ أوَليسَ لدى باكستان ما تقلق منه إذا أساءت «طالبان باكستان» تفسير فوز «طالبان أفغانستان»؟ وماذا عن الهند التي استثمرت مليارات الدولارات في أفغانستان والمصابة على الدوام بهاجسين مقلقين هما الهاجس الباكستاني والهاجس الصيني؟
يصعب الاعتقاد أنَّ روسيا ستكون الرابح الكبير من المشهد الأفغاني الجديد. لا شيء يوحي بأنَّها مستعدة لدفع ثمن امتلاك أوراق فعلية على المسرح الأفغاني بالتحالف مع ميليشيات أو العزف على الحساسيات العرقية. ولا يصحُّ أن ننسى هنا ثقلَ الذكريات السوفياتية في الموضوع الأفغاني. وأغلب الظن أنَّ المشهد الأفغاني الجديد سيوقظ مخاوف الدول المجاورة لها والحليفة لروسيا التي بدأت تعزيز قواعدها العسكرية هناك. لا تملك روسيا في أفغانستان أوراقاً شبيهة بالتي تملكها إيران من نوع العلاقة مع الأقلية الشيعية والعلاقات التي نسجتها مع بعض قادة من «طالبان» استضافت عائلاتهم ومع مسؤولين من «القاعدة» وفّرت لهم المأوى. وإذا كانت طهران نجحت في تركيب ميليشيا أفغانية للقتال في سوريا فإنَّها قادرة على تركيب ميليشيا أفغانية للقتال في أفغانستان.
يبقى السؤال الصيني وهو الأكثر أهمية. حرصت بكين على تصوير الرحيل الأميركي الكئيب بوصفه الدليل على أنَّ المظلة الأميركية مصابة بثقوب كثيرة. الرسالة الصينية لا تستهدف تايوان وهونغ كونغ فقط. الصين تقود هجوماً شاملاً على مستوى القرية الكونية. وما جرى في أفغانستان يعطيها فرصة التقدم عبر باكستان لتثبيت أفغانستان على طريق الحرير.
السؤال الصيني هو السؤال الكبير. الهدير الآسيوي هو في الحقيقة هدير صيني يصعب التكهن بمشاعر روسيا الحقيقية تجاهه، ومدى ابتهاج إيران به على المدى الطويل. الهدير الصيني يطرح أيضاً سؤال الرد الاستراتيجي الأميركي وموقع الهند واليابان في هذا الرد. صحيح أنَّ أفغانستان تنام على ثروة من المعادن، لكن في 11 سبتمبر الجديد تبدو القصة أكبر من أفغانستان وأبعد.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القصة ليست أفغانستان القصة ليست أفغانستان



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

كريم عبد العزيز يفاجئ الجمهور في مسرحيته الجديدة

GMT 09:18 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab