روسيا الخائفة روسيا المخيفة

روسيا الخائفة... روسيا المخيفة

روسيا الخائفة... روسيا المخيفة

 العرب اليوم -

روسيا الخائفة روسيا المخيفة

بقلم - غسان شربل

سألني الدبلوماسي إن كنت أرى نقاط تشابهٍ بين الغزو الروسي لأوكرانيا والغزو العراقي للكويت. استغربت وأجبت أنَّ كلاً من الحدثين وقع في عالم مختلف ومنطقة مختلفة. ثم إنَّ روسيا ليست العراق. وفلاديمير بوتين ليس صدام حسين. ويفترض أن آلية صنع القرار في موسكو الحالية مختلفة عنها في بغداد صدام. ثم إنَّ روسيا دولة نووية وعضو دائم في مجلس الأمن. طبعاً مع الإشارة إلى أنَّ الغزو العراقي لامس عصب سلعة حيوية للعالم هي النفط، في حين تلامس الحرب الروسية في أوكرانيا عصب سلعتين حيويتين للعالم هما الغذاء والطاقة.
رأى أن أخطر تشابه بين الحدثين هو استخدام القوة لشطب حدود دولية معترف بها وضم أراضٍ وتهديد وحدة دولة مستقلة. ولاحظ أن الغزو من الخارج يختلف تماماً عن تغير الحدود بفعل تطورات من نوع الانفجار السوفياتي أو اليوغوسلافي أو السوداني أو انشطار تشيكوسلوفاكيا بفعل إشهار الطلاق بين المكونين الرئيسيين فيها.
لاحظ أن الولايات المتحدة شنت في القرن الحالي حربين كبيرتين في أفغانستان والعراق، لكنها لم تحاول فيهما تغيير خريطة البلد المستهدف. قصة أوكرانيا مختلفة فعشية إطلاق الحرب اعتبرها بوتين مجرد صناعة روسية أي أنها لا تمتلك شرعية الوجود كدولة مستقلة. واعتبر الدبلوماسي أن العالم الذي اكتوى بتجربة الحرب العالمية الثانية أدرج في باب المقدسات عدم جواز الاستيلاء على أراضي الآخرين بالقوة، ولذلك لا تعترف الشرعية الدولية بما نتج من سياسة الغزو الإسرائيلية. وشدد على أن الحرب الحالية التي تدور على الأرض الأوروبية ستؤدي بالتأكيد إلى ولادة عالم جديد. يدرك الأوروبيون، وفي مقدمهم الرئيس إيمانويل ماكرون، خطورة إذلال روسيا في أوكرانيا. يدركون في الوقت نفسه خطورة التسليم بأن من حق القوة تغيير الخرائط والتلاعب بالحدود الدولية المعترف بها. فإذا تغاضيت عن ضم روسيا لأجزاء من أوكرانيا، كيف يمكن أن تعارض ما تعتبره الصين حقها الطبيعي في إعادة تايوان إلى رحاب الوطن الأم وبيت الطاعة؟
يصعب تشبيه الاجتياح الروسي لأوكرانيا بالاجتياح العراقي للكويت. لم يظهر بوتين في العقدين الماضيين تهوراً في التعامل مع الأزمات التي تعني بلاده أو تهمها، وإن يكن أظهر حزماً. يمكن القول إنه أظهر براعة أوحت بأن مطبخ القرار في الكرملين يستند إلى معلومات تنقلها السفارات والأجهزة الأمنية العريقة. ويصعب الاعتقاد أن قوة السيد الرئيس تحول دون تمكن أبرز معاونيه من التعبير عن رأيهم أو مخاوفهم. ويصعب في الوقت نفسه تصور أن دبلوماسياً محترفاً من قماشة سيرغي لافروف لم يتوقع أن يصطدم غزو أوكرانيا برد غربي شديد. تذكرت ما سمعته قبل أسابيع من عراقي ربطته بطارق عزيز وزير الخارجية العراقي السابق علاقة عمل ومودة. قال إن عزيز كان معارضاً لغزو الكويت ومدركاً لمخاطر ضمها لكنه لم يستطع التأثير على مسار الأحداث. هل سيكتشف العالم ذات يوم أن لافروف كان في وضع يشبه وضع طارق عزيز، طبعاً مع الالتفات إلى الفوارق بين الحقب والرجال؟

 

تذكرت ما سمعته من حازم جواد الذي قاد «البعث» العراقي إلى السلطة في 1963. قال إن مجلس الوزراء كان منعقداً برئاسة الرئيس عبد السلام عارف. أثار أحد الوزراء شيئاً يتعلق بالكويت فنسي عارف أنه رئيس الجمهورية وأطلق جملة معبرة. قال: «عيّنوني قائداً للواء البصرة وأنا أحل لكم مشكلة الكويت»، وهو يقصد اجتياحها. وبعد عقود سيتوجه صدام حسين إلى منطقة البصرة ليقود من هناك اجتياح الحرس الجمهوري العراقي للكويت. وبعد عقود من استقلال أوكرانيا، سيعتبرها بوتين كياناً مصطنعاً وسيطلق جيشه في أراضيها.
سمعت أيضاً من عراقيين أن الخوف موجود في أعماق روح كيان العراق. حشرته الجغرافيا بين جارين قويين. يتذكر كل حاكم للعراق تلك الصفحات من التاريخ التي تروي كيف تقاتل الصفويون مع العثمانيين على أرض العراق. وفي التاريخ الحديث تتبدى في سياسات بعض الدول القائمة على ركام إمبراطوري ميول صريحة إلى توسيع مداها الحيوي على حساب الحلقة الضعيفة المتاخمة. بعض المشاهد طازجة. إيران تقصف أهدافاً في أربيل. وتركيا تتعقب أعداءها داخل الخريطة العراقية.
تاريخ روسيا صاخب هو الآخر. تتعرض لغزوات وتطلق غزوات. على مدى قرون كانت حدودها قلقة ومتحركة. في ذاكرتها قصص غزوات كثيرة وإن تكن الكتب تركز على مغامرة نابليون وجنون هتلر.
كان العراق خائفاً من قدرة إيران على امتلاك أوراق داخل أراضيه. ثمة من يقول إن خوف صدام من عبارتي «الولي الفقيه» و«تصدير الثورة» دفعه إلى إطلاق الحرب ضد إيران، معتقداً أنه إن لم يبادرها بالحرب في منطقة الحدود سيضطر إلى مقاتلتها لاحقاً في شوارع بغداد. بوتين بدوره اتهم أوكرانيا بالتآمر واعتبر الحرب عليها استباقية.
روسيا التي تقيم طويلاً تحت الثلج قارة ثرية بالنفط والغاز والمعادن. لكنها مصابة بعقدة الحصار والخوف على روحها. محاولة بطرس الأكبر استيراد أسباب التقدم الأوروبي لم تبدد خوفها الدائم من الغرب. من نموذجه المختلف وجاذبية ثقافته وأسلوب حياته، شيّد الاتحاد السوفياتي جدار برلين ليصد رياح النموذج الغربي لكن التاريخ اقتلع الجدار. ذهب الغرب بعيداً في ممارسة غطرسة المنتصر. حرك بيادق حلف «الناتو» باتجاه حدود روسيا وهو ما اعتبره بوتين إمعاناً في إذلال بلاده وتهديداً بغزوها تحت ستار العولمة و«الثورات الملونة». من هذا الخوف العميق ومن الركام السوفياتي جاء بوتين.
في برلين يشعر الصحافي الزائر بأن العالم وقع بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا في فخ يصعب الخروج منه. روسيا الخائفة صعبة ومتعبة. وروسيا المخيفة مثيرة للقلق والذعر. والأكيد أن العالم الذي يدفع اليوم ثمناً باهظاً يتغير على وقع الأيام الأوكرانية فالدول خائفة والتطورات مخيفة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا الخائفة روسيا المخيفة روسيا الخائفة روسيا المخيفة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab