الرصاصة الكردية الثانية

الرصاصة الكردية الثانية

الرصاصة الكردية الثانية

 العرب اليوم -

الرصاصة الكردية الثانية

بقلم : غسان شربل

كان ذلك في 2005. ذهبت لزيارة مسعود بارزاني بعد انتخابه رئيساً لإقليم كردستان العراق استناداً إلى دستور عراق ما بعد صدام. كان المشهد غير مسبوق في تاريخ الأكراد فحلم «جمهورية مهاباد» التي أنشأها الأكراد على الأرض الإيرانية لم يطفئ شمعته الأولى. وشاءت الصدفة أن يولد مسعود هناك.

رأيت الرجل جالساً تحت علمين. ودفعني الخبث الصحافي إلى الاعتقاد بأن العَلَم العراقي يقيم في ضيافة عَلَم الإقليم الكردي. وحين غادرت خالجني شعور بأن نجل الملا مصطفى بارزاني أطلق رصاصة مسمومة على قلب اتفاق سايكس- بيكو الذي وزّع الأكراد قبل مئة عام أيتاماً في العراق وسورية وتركيا وإيران.

أدرك مسعود قلق الدول المجاورة فمارس أقصى درجات التحفُّظ والواقعية. لكن مرض الإقليم بدا معدياً. لهذا، رفض الرئيس بشار الأسد استقبال مسعود بوصفه رئيساً للإقليم، وحين وافقَ بعد اندلاع الأحداث، اعتبر الزعيم الكردي أن «الظرف لم يعد مناسباً».

اغتنم أكراد العراق الفرصة التاريخية التي شكّلها قرار جورج بوش إطاحة نظام صدام حسين. وها هم أكراد سورية يغتنمون الفرصة التاريخية التي يشكّلها التفكك السوري. وحين قرأتُ البارحة ما قاله لـ «الحياة» صالح مسلم رئيس «الاتحاد الديموقراطي الكردي» تيقّنت أن اتفاق سايكس- بيكو أصيب برصاصة كردية ثانية أُطلِقت عليه هذه المرة من «روج آفا» أي «غرب كردستان». وهكذا نودّع سورية التي عرفناها بعدما كنا شهدنا وداع العراق الذي عرفناه.

أغلب الظن أن الرصاصة الكردية الثانية هي التي أرغمت السلطان على تقريب كأس السم من شفتيه. صحيح أن القيصر الحالي قوي وهجومي وعدواني، لكن الصحيح أيضاً أن ثمة مَنْ هو أخطر منه ومن «داعش». كان رجب طيب أردوغان يعتقد بأن النصر الكامل وشيك، وبأن اضطراره إلى الجلوس تحت صورة كمال أتاتورك عابر وموقت، فبلاده لا تتسع لرجلين. دفعته الرصاصة الكردية الثانية إلى تذكُّر أن الرجل المنافس له في تركيا يقيم في أحد سجونه واسمه عبدالله أوجلان. وأن تلامذة السجين هم مَنْ دفعوا الكيان السوري إلى الالتحاق بمصير الكيان العراقي.

يفضّل الحاكم الانحناء أمام عدو الخارج آملاً بالاستمرار في إحكام قبضته على أعداء الداخل. ذات يوم قال صدام لإدريس بارزاني شقيق مسعود: «لا تدفعوني إلى التنازل لإيران». وهو ما فعله لاحقاً في اتفاق الجزائر مع طهران، والذي أصاب الحركة الكردية بنكبة كبرى. وفي 1998، زار حسني مبارك دمشق وأبلغ حافظ الأسد بأن الدبابات التركية ستدخل الأراضي السورية، إذا أصر على التمسك بإيواء أوجلان. تخلّت سورية عن أوجلان ووقع في شِباك المخابرات التركية واقتادته إلى سجنه الحالي.

قبل أعوام نصح مسعود بارزاني رجب طيب أردوغان بفتح حوار مع السجين وجماعته. أجريت مفاوضات وتبلور اتفاق على نقاط. وأطل الأكراد الأتراك كتلة كبيرة في البرلمان التركي. والآن يقول الأكراد أن أردوغان تراجع عن وعوده فعادت الحرب. وثمة من يعتقد بأن السلطان لا يريد دخول التاريخ بوصفه الرئيس التركي الذي انحنى أمام مطالب الأكراد أو بعضها. يخاف من شماتة عدو آخر اسمه أتاتورك.

قبل عام حاورتُ صالح مسلم في بروكسيل. كان متهماً بالتواطؤ مع النظام السوري والرقص معه. فوجئتُ به يقول أن «البعث سبب خراب العراق وسورية والمنطقة»، وأن النظام السوري «يلفظ أنفاسه». قال أيضاً: «جرّبنا سورية العربية البعثية فجلبت لنا الويل، لماذا لا نجرّب سورية الديموقراطية الاتحادية التي تتسع لكل مكوناتها»؟

استقبلتُ كلام صالح مسلم بحذرٍ هو من شروط المهنة، خصوصاً في ظروف الفوضى السورية الدموية. بعد عام، تبدو الصورة مختلفة. يسيطر الأكراد السوريون حالياً على مناطقهم وإن لم يستكملوا وصلها بعد. يستضيفون في هذه المناطق ثلاث قواعد عسكرية أميركية صغيرة، ولهم مكتب تمثيلي في موسكو التي أعدّت لسورية دستوراً على قاعدة الفدرلة.

أقلقت الرصاصة الكردية الثانية أردوغان. وأقلقت إيران، فالرصاصة تخاطب أكرادها أيضاً. ربما هذا ما يفسر هدير «الحرس الثوري» الإيراني على أطراف إقليم كردستان العراق. أفلتت اللعبة من أيدي اللاعبين. إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ليست سهلة. وخنق الحلم الكردي ومنع انطلاق رصاصة كردية ثالثة وإن تأخرت، يستلزمان تحالفاً جدياً بين طهران وأنقرة ودمشق وبغداد، وهو تحالف صعب حالياً. أميركا ليست مستعدة لرعاية عملية الخنق هذه. والقيصر يحب دور حارس الأقليات. لا شك في أن مشهد ما بعد الرصاصة الكردية الثانية حاضر بين بشار الأسد وحسن نصرالله. تذكّرني الثنائيات باتفاق جلال طالباني ومسعود بارزاني ذات يوم على «عدم إضاعة الفرصة التاريخية». أسمعُ بكاء الخرائط وأشمُّ رائحة دموع ميشال عفلق في قبره.

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ترمب يتقدَّم... الرجاء ربطُ الأحزمة

GMT 00:13 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

«الطوفان» الروسي

GMT 00:14 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

غزة بين بصمات أميركا وإيران

GMT 23:35 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

دولة لا غنى عنها

GMT 00:53 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الخروج من الأنفاق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرصاصة الكردية الثانية الرصاصة الكردية الثانية



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:53 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

إيران تتراجع عن تسمية شارع في طهران باسم يحيى السنوار
 العرب اليوم - إيران تتراجع عن تسمية شارع في طهران باسم يحيى السنوار

GMT 08:49 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

بوستر أغنية مسابقة محمد رمضان يثير الجدل
 العرب اليوم - بوستر أغنية مسابقة محمد رمضان يثير الجدل

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 18:25 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

إخلاء تجمع سكني في تل أبيب بعد وقوع حادث أمني

GMT 08:49 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

بوستر أغنية مسابقة محمد رمضان يثير الجدل

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شمس البارودي تتحدث للمرة الأولى عن رحيل زوجها وابنها

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:53 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

إيران تتراجع عن تسمية شارع في طهران باسم يحيى السنوار

GMT 10:27 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab