زعيم «فاغنر» مرّ من هنا

زعيم «فاغنر» مرّ من هنا

زعيم «فاغنر» مرّ من هنا

 العرب اليوم -

زعيم «فاغنر» مرّ من هنا

بقلم - غسان شربل

كان أعدائي يشتهون مشهداً آخر. أن أحطم مدينة روستوف على رأس من دخلوها. وأن تغص الشوارع بالمركبات المحترقة. وأن تنشغل الشاشات بصور جثث الروس والمرتزقة. وأن يضطرب جنودنا على خطوط الاشتباك في أوكرانيا. وأن يخترق عملاء الغرب صفوفنا هناك. وأن يشاهدوني عالقاً في حربين. وأن يشعر الروس بالقلق لأن نيران «فاغنر» ارتدت إلى الوطن الأم. أحياناً عليك أن تكظم غيظك كي لا تغرق في فخ يشتهيه لك أعداؤك. وهذا ما فعلت.

يستحق يفغيني بريغوجين عقاباً شديداً. وربما تعليق جثته في الساحة الحمراء. ليعرف كل خائن ما ينتظره. ليعرف من يرفع سبابته مهدداً أنها ستقطع. الآن يكفي. خاف الرجل الذي لا يخاف. انحنى الرجل الذي لا ينحني. المطلوب حالياً رأس زيلينسكي، لا رأس من يسميه الغرب «طباخ الكرملين».

أغلقت الباب في وجههم. حرمتهم لذة رؤية روسيا غارقة في الدم الروسي. سيمضون أياماً في التفسير والتحليل. سيقولون إن هالة سيد الكرملين أصيبت بثقب. وأن صورته جُرحت. وأن يوم العصيان الطويل أظهر هشاشة نظامه. وأن الحرب الأوكرانية التي تعذر عليه حسمها ستفاجئه بعواصف أخرى كلما طالت. لا يعرف الغرب روسيا. الروس يحبون النوم على وسادة رجل قوي. والضربات التي لا تقتل ساكن الكرملين تزيد حصانته. وسيد الكرملين واحد ووحيد. لا شركاء ولا أوصياء.

يتمشى في مكتبه. ما كان لزعيم «فاغنر» أن يلمع على الشاشات لو قام الجنرالات بواجبهم. لو نجحوا في حسم الحرب في غضون أيام. لو أرغموا زيلينسكي على الاستقالة والفرار. صنعوا خيبتي. ثقل أوسمتهم يقلص خطواتهم. يخافون الحرب. ويخافون زوجاتهم. يراقبون الحرب بالمناظير وبدل الذهاب إليها يرسلون الصواريخ والمسيرات. ولا بد من الاعتراف بأن بريغوجين كان من قماشة أخرى. الحرب لعبته ومتعته. يلاعب الموت ولا يرتجف. يسبح في الدم ولا يرف له جفن. يجلس بين الجثث كمن يجلس في حديقة. إن غضب على مدينة أذاقها الويل. لا يعترف بأي حصانة للمدنيين أو المنازل أو الكنائس أو المساجد. يقطع المياه ويقطع الكهرباء ويقطع الشرايين.

لا يمكن إنكار أن الخائن استعاد باخموت شبراً شبراً وقبراً قبراً. يمشي فوق مسلحيه ويتقدم. لا الثلج يجمده ولا الوحل يعيقه. يواكب تدفق الدم من صدور رفاقه كمن يرافق تدفق المياه من نبع عذب. كان من الصعب أن أحمل جثة رجل أنقذ الجيش من العار في سراديب باخموت. جثة من أنقذ هيبة روسيا. وكان بارعاً. ذهب إلى السجون واستدرج القساة المقيمين فيها. وعدهم وحرّضهم وسلّحهم وأخذهم إلى الجحيم الأوكراني وكثيرون منهم ضاعت جثثهم هناك بلا أوسمة أو وداع. كان شجاعاً وكان رهيباً. في سوريا وليبيا ومواقع أفريقية أبلى البلاء الحسن. لا يتردد ولا يرحم ولا يشبع. الحروب وليمته والمناجم تثير لعابه.

الحكم فن إدارة البيادق. تلاعبها وتلعب معها. تقربها وتقصيها. تنصب لها الأشراك وتنقذها. تدفعها إلى شفير الهاوية وتردها منها. تذكرها دائماً بأنها جزء من اللعبة. وأنك حارسها وحاميها وآمرها. وكان زعيم «فاغنر» من بيادقي. وكانت عائدات ممارساته الجريئة والفظة تصب في خدمة الدولة. تحوّل جيشاً جوالاً من دون أن يُسمى جيشاً. كان أكثر من مجرد ميليشيا. كان جيشاً موازياً بأنياب طويلة. وإمبراطورية قسوة عابرة للحدود.

كثيراً ما يحدث أن يتمرد بيدق. أن تسكره الانتصارات. وأن يتسرع في المطالبة بثمن. وأن يتوهم أنه شريك. وأنه معبر إلزامي ويستحيل دفعه إلى خارج الرقعة. ولم يكن بريغوجين ممن يستهويهم التقاعد وإنفاق ما بقي من العمر على ظهر يخت جميل. إنه ملاكم منذور للحلبة. دائماً يبحث عن أعداء. عن مضاعفة ثروته ولائحة ضحاياه.

متعة الحكم تحريك البيادق. وأنا أختارها. أغسلها. ألمعها. أطوّعها. أعيرها من قوتي. أضيئها. وحين تتمادى أسحب الضوء من شرايينها وأعيدها إلى بيت الطاعة. ذهب بريغوجين بعيداً. أنا لا أستغرب مشاحنات البيادق وحروب الأدوار، لكن تحت سقف اللعبة. بالغ بريغوجين في هجاء شويغو وغيراسيموف وسائر الجنرالات. نسي أنهم يقيمون تحت عباءتي. لمعان الانتصارات يغري بالوقاحة. ينسي البيدق أنه بيدق. يغريه بالتحول لاعباً. ولا تتسع اللعبة إلا للاعب وحيد.

لم يتعلم بريغوجين الدرس من ديمتري مدفيديف مثلاً. أجلست مدفيديف في مكتب رئيس الوزراء فلعب دوره. اقتضت اللعبة دفعه إلى الأعلى. أمرته أن يذهب إلى الكرملين لينام فيه مع لقب السيد الرئيس بانتظار عودتي إلى القصر. لعب اللعبة ببراعة. انتهت ولايته فأعدته إلى حيث كان. وهو الآن معي ولا يزال كظلي. شويغو لم يظهر شراهة ولم يلمع لعابه. لافروف يؤدي دوره ولا تنتابه أي رغبة في تسلق الحبال.

أراد فلاديمير بوتين المجروح إطفاء التمرد في مهده. القنابل التي ألقاها بريغوجين تثير أسئلة صعبة أخطرها حول مشروعية الحرب في أوكرانيا واستنادها إلى تقارير كاذبة على حد قوله. لحرف الأنظار عن التمرد سينصب الغضب مجدداً على أوكرانيا التي يحاول بوتين متعثراً إخضاعها وإخضاع الغرب معها.

يبقى مصير بريغوجين. الرجل صعب وشائك ومثقل ولا يستطيع التقاعد مزارعاً في بيلاروسيا. لا يستطيع الاستكانة وتدبيج مذكراته. سيلازمه الخوف لأن الموت قد يأتيه من تفاحة أو كأس أو رسالة. إنه قتيل مؤجل. أعداؤه أكثر من أصدقائه. وضحاياه أكثر من أنصاره.

تذكرت أنني سألت ذات يوم لاعباً عربياً بين السياسة والأمن هل كان يخشى أن يُقتل. رد بالإيجاب. استفسرت، فقال: «لأنني أعرف أكثر مما ينبغي». وذات يوم آخر تطاير جسد الرجل مع ذاكرته بفعل انفجار. وزعيم «فاغنر» أشد خطورة من الرجل ويعرف أكثر مما ينبغي.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زعيم «فاغنر» مرّ من هنا زعيم «فاغنر» مرّ من هنا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab