قبل أيّام من دخول الحرب الأوكرانيّة سنتها الثانية، فاجأ الرئيس جو بايدن العالم بزيارة لكييف. تبدو الرسالة التي أراد توجيهها إلى فلاديمير بوتين واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أن رئيس أميركا وليس رئيس روسيا في العاصمة الأوكرانيّة التي صمدت في وجه الجيش الأحمر وجعلت المستقبل السياسي لبوتين في مهبّ الريح.
دخل بوتين حربا طويلة غيّرت العالم، بما يتجاوز أوكرانيا نفسها. إنّها حرب ستترك بصماتها على الكرة الأرضية كلّها بعدما استيقظت أوروبا على كابوس احتمال عودة الاتحاد السوفياتي إلى الحياة بعدما تحررت منه يوم سقوط جدار برلين في نوفمبر من العام 1989.
ترتدي زيارة بايدن لكييف وتجوله في المدينة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أهمّية خاصة. أثبتت الزيارة أنّ أميركا انتصرت في الحرب الأوكرانية، أقلّه إلى الآن. تبيّن أنّ إدارة جو بايدن أعادت تعويم نفسها. عوّمت نفسها ليس في مواجهة روسيا فحسب، بل في مواجهة الصين أيضاً.
لعلّ السؤال الذي سيطرح نفسه بقوة في المستقبل القريب إلى أي حد ستذهب الصين، التي اتخذت إلى الآن موقفاً شبه محايد في الحرب الأوكرانيّة، في توفير الصواريخ والذخائر والمسيرات التي يحتاج الجيش الروسي إليها لمتابعة الحرب؟
مثلما أنّ السنة الأولى من الحرب كشفت الدور الإيراني، ستكشف السنة الثانية منها الدور الصيني وما إذا كانت الصين ستصبح بدورها شريكاً لروسيا في حرب، هي في الواقع، حرب على أوروبا.
لم يكن سهلاً على أوروبا الرضوخ للابتزاز الروسي الذي بات يجسده بوتين. باتت كلّ دولة أوروبيّة تسأل نفسها: ما الذي سيفعله الرئيس الروسي في حال نجاحه في السيطرة على أوكرانيا؟ اين يمكن أن تتوقف طموحات ضابط سابق في جهاز الاستخبارات السوفياتيّة (كي. جي. بي) لا يعرف شيئاً عن العالم وموازين القوى فيه ويؤمن أنّ في استطاعة روسيا استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي بمجرّد التلويح باستخدام السلاح النووي؟
ثمّة أمور كثيرة تغيّرت ليس في أوروبا وحدها. لعلّ أهمّ ما تغيّر انكشاف عمق العلاقة بين روسيا و«الجمهوريّة الإسلاميّة»، وهي علاقة عبّر عنها أفضل تعبير انضمام ايران إلى الحرب الروسيّة على أوكرانيا بعدما صارت المسيّرات الإيرانية شرطاً ضرورياً كي يتمكن بوتين من متابعة حربه التدميريّة على البلد الجار وشعبه وبنيته التحتيّة.
كذلك، كشفت الحرب الأوكرانيّة درجة تخلّف السلاح الروسي الصنع مقارنة مع السلاح الغربي، خصوصا الأميركي. في الوقت ذاته، تبيّن أن الجيش الروسي لا يمتلك ما يسمح له بخوض حرب طويلة في ضوء افتقاره إلى قيادات عسكريّة حقيقية وليس مجرّد قيادات تأمر بتدمير المدارس والبيوت العادية والمستشفيات كما يحصل في سورية منذ سبتمبر من العام 2015.
يظلّ الأهمّ من ذلك كلّه أن الشعب الروسي يرفض خوض حرب في أوكرانيا. هذا ما أشار إليه بايدن من كييف. تحمّس المواطنون الروس في البداية لهذه الحرب. ما لبث أن بدأ المواطن العادي في الاتحاد الروسي يعيد حساباته رافضاً حملات التجنيد التي يسعى إليها بوتين المعزول كلّيا عن الشارع الروسي مثلما هو معزول عن العالم.
مع مرور الوقت، بدأت تظهر جوانب أخرى للحرب الأوكرانيّة. أبرز هذه الجوانب أن دولاً آسيوية عدّة بدأت تحتاط لما يمكن أن يترتب على تمكن بوتين من تحقيق ولو بعض أهدافه الأوكرانيّة. كان رئيس الوزراء الياباني فومينا كوشيدا في غاية الوضوح في جولته الدولية الأخيرة التي توجها بلقاء في البيت الأبيض مع الرئيس جو بايدن.
لم يخف كوشيدا، قبل ما يزيد على شهر، أنّ الهجوم الروسي على أوكرانيا يشكلّ «سابقة» مبدياً خشيته من مغامرة تقدم عليها الصين تجاه تايوان في حال حقّق فلاديمير بوتين أي نجاح في أوكرانيا. أعلن رئيس الوزراء الياباني عن تخلي بلده عن سياستها التقليدية كاشفا أنّ اليابان ستضاعف موازنتها العسكريّة مرتين. ثمّة وعي ياباني لما بدأت دول اسيوية عدة تسميه «الخطر الصيني».
مثل المانيا، كانت اليابان تلتزم قيودا في كلّ ما له علاقة بتطوير جيشها واسلحتها. باتت اليابان تسير حاليا على خطى ألمانيا حليفتها في الحرب العالميّة الثانيّة وشريكتها في الهزيمة التي كلفتها الكثير. ليس سرّا أن اليابان تمتلك القدرة على انتاج سلاح نووي، لكنّها ستركّز في المدى المنظور على الصواريخ الباليستية والحرب الإلكترونيّة التي تسمح لها بممارسة سياسة هجوميّة بدل الاكتفاء بما يسميه اليابانيون سياسة «الردع».
ليست اليابان وحدها القلقة من التوسع الصيني في المحيط الأطلسي. تشاركها قلقها دول مهمّة مثل الهند واستراليا. ذهبت الهند إلى إجراء مناورات جويّة مشتركة مع اليابان في خطوة تظهر مدى تخوفها من التصرفات الصينيّة.
الأكيد أنّ دولاً أخرى تحتاط لما يمكن أن تقدم عليه الصين في المحيط الأطلسي. تسعى مجموعة من الدول إلى تطويق الصين والعمل في الوقت ذاته على إظهار القدرة على التصدي لنظام مجنون مثل النظام الكوري الشمالي يفضّل تطوير كلّ أنواع الأسلحة التقليديّة وغير التقليديّة... في حين شعبه جائع.
من الواضح أنّ العالم الغربي قرّر التصدي لبوتين والتحوط لما يمكن أن تقدم عليه الصين. ستكون 2023 سنة الصعوبات والتعقيدات الكثيرة في غير منطقة من العالم، خصوصا مع انضمام إيران إلى الحرب الأوكرانيّة. أقلّ ما يمكن قوله إن العام 2022 أسّس لعالم جديد يصعب التكهن بما سيأتي به من مفاجآت غير سارّة حتما.
كشفت السنة الأولى من الحرب الأوكرانية، إضافة إلى إعادة الاعتبار لأميركا، العلاقة العميقة القائمة بين «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران وروسيا. هل تكشف السنة الثانيّة تطوراً في العلاقة الصينيّة - الروسيّة؟ هل لدى الصين، التي تتجسس على أميركا بواسطة المناطيد ووسائل أخرى، مصلحة في الذهاب بعيداً في دعم بوتين؟