حقوق المسيحيين… بسلاح حزب الله

حقوق المسيحيين… بسلاح "حزب الله"

حقوق المسيحيين… بسلاح "حزب الله"

 العرب اليوم -

حقوق المسيحيين… بسلاح حزب الله

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس معروفا هل إصرار “حزب الله” على تشكيل حكومة لبنانية على مقاسه مرتبط بقراءة خاطئة للموازين الإقليمية أم أنّه عائد إلى حاجة إيرانية إلى إثبات أن لبنان ورقة في جيب طهران ليس إلا؟

أن تسعى إيران إلى إثبات أن لبنان ورقة من أوراقها الإقليمية دليل ضعف وليس دليل قوّة. تستطيع إيران استخدام ورقة جنوب لبنان. ولكن ما الذي ستكون عليه نتيجة ذلك، خصوصا أن الجميع بات يعرف أن أي فتح لجبهة جنوب لبنان سيكون مختلفا إلى حدّ كبير عن حرب صيف العام 2006 التي سمحت فيها إسرائيل لـ“حزب الله” بالانتصار على لبنان واللبنانيين لحسابات خاصة بها. ليس سرّا لدى كل من لديه علاقة بالسياسة الدولية والإقليمية، من بعيد أو قريب، أن أي حرب جديدة يمكن أن يتسبب بها “حزب الله” ستعود بكارثة على البلد. كارثة بكلّ معنى الكلمة، خصوصا في ظلّ وجود إدارة أميركية ليست مستعدة لممارسة أي نوع من الضغوط على إسرائيل. على العكس من ذلك، تبدو هذه الإدارة في توافق تام معها. لا حاجة إلى دليل على ذلك أكثر من دليل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدّسة.

يثير ما نشهده حاليا في لبنان من مناورات يقف خلفها “حزب الله”، من بعيد طبعا، تساؤلات في شأن السبب الحقيقي للإصرار على أن يقبل الرئيس سعد الحريري بما لا يستطيع القبول به بأيّ شكل… أي بحكومة تعاني في تركيبتها من خلل كبير تعبّر عنه الرغبة في تهميش “تيار المستقبل” و“القوات اللبنانية” و“الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يتزعمه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

من يضغط في اتجاه تشكيل مثل هذه الحكومة لا يعرف أنّ مثل هذه المناورات مرفوضة، وأن اللبنانيين الذين انتفضوا على الوصاية السورية في 2005 لن يرضخوا للوصاية الإيرانية في السنة 2018.

قبل كل شيء، لا تسمح تركيبة مجلس النواب الجديد باعتبار أن هناك أكثرية وأقلّية، اللهم إلا إذا اعتبر “التيّار الوطني الحر” نفسه من ضمن النواب الـ74 الذين يرى الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني أنهم يمثلون الكتلة الإيرانية في البرلمان. إلى إشعار آخر، لم يصدر عن “التيار الوطني الحر” وعن رئيسه جبران باسيل ما يؤكّد ذلك. لكن الملفت أن كلّ تصرفات باسيل توحي بأنه ليس بعيدا عن هذا الجوّ الذي يعكس، إلى حد كبير رغبة، في تصفية حسابات قديمة مع سمير جعجع من جهة، ورغبة أخرى في الخروج عن اتفاق الطائف من جهة أخرى، وذلك من باب الحساسية الزائدة تجاه أهل السنّة وما يمثلونه على الصعيد الوطني والإقليمي.

بكلام أوضح، ليس من مصلحة لبنان الدخول في مغامرة من هذا النوع في وقت بات معروفا أن سعد الحريري، الذي بات كتاب التكليف في جيبه، لا يستطيع بأي شكل أن يرأس حكومة يشكلها له “حزب الله”.

يخطئ من يعتقد أن "حزب الله" يمتلك أيّ مشروع ذي طابع حضاري للبنان. كلّ ما يهمّ الحزب هو استرضاء إيران وتعويض الخسائر التي لحقت بها على كلّ صعيد

إنّ الطفل اللبناني يعرف أن ثمّة حاجة قبل كلّ شيء إلى احترام اتفاق الطائف، وليس العمل على تقويضه من منطلق مقولة “العهد القوّي”. يمكن لأيّ عهد في لبنان أن يكون قويّا في حال التفاف اللبنانيين بكلّ طوائفهم حوله. يكون العهد قويّا عندما تتشكل حكومة قوية متوازنة وفاقية تأتي بمساعدات عربية ودولية قبل أيّ شيء آخر. وهذا يعني في طبيعة الحال مراعاة الأصول والقواعد والدستور، بدل الكلام الذي لا معنى له عن استعادة حقوق المسيحيين أو إعادة النازحين السوريين إلى أرضهم من دون مراعاة للوضع في الداخل السوري ولمواقف المنظمات الدولية المختصة التابعة للأمم المتحدة، في مقدّمها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. الأهم من ذلك كله أن القوي فعلا لا يستقوي على اللبنانيين الآخرين بسلاح “حزب الله” غير الشرعي. لا يمكن للبناني عموما وللمسيحي خصوصا تحقيق انتصارات من أيّ نوع بالاعتماد على سلاح غير شرعي تشهره ميليشيا مذهبية ليست، في نهاية المطاف، سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

وحدها لغة المنطق تجعل العهد قويا. والمنطق يقول إن من الضروري تشكيل حكومة يتمثل فيها الجميع وتضمّ كفاءات، وليس حكومة يتمتع فيها “حزب الله” بأكثرية الثلثين لتمرير أمور خاصة به وبإيران.

يخطئ من يعتقد أن “حزب الله” يمتلك أيّ مشروع ذي طابع حضاري للبنان. كلّ ما يهمّ الحزب هو استرضاء إيران وتعويض الخسائر التي لحقت بها على كلّ صعيد، بدءا بإيران نفسها. لو كان لدى النظام الإيراني نموذج يقدّمه للإيرانيين أوّلا، لما كان ما يزيد على نصف من المواطنين في هذا البلد الغنّي يعيشون تحت خط الفقر. لا يمتلك النظام الإيراني سوى آلة قمعية متطورة يستخدمها في مجال نشر البؤس والتخلف والفساد على كل صعيد. أما في الخارج، فلا يمتلك النظام الإيراني سوى الهرب المستمرّ إلى الأمام مستخدما أدواته المتمثلة في الميليشيات المذهبية التي يستثمر فيها منذ سنوات طويلة.

يندرج السعي إلى فرض حكومة لبنانية تكون بإمرة “حزب الله” في سياق الهرب الإيراني إلى الأمام. يريد النظام الإيراني أن يقول للإيرانيين إنّه يسيطر فعلا على بيروت التي أدرجها في قائمة العواصم العربية التي يتحكّم بها، أو على الأصح التي يعتقد أنّه يتحكّم بها. أضاف بيروت إلى بغداد ودمشق وصنعاء وذلك مباشرة بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014.

ليس طبيعيا أن تتشكل في لبنان حكومة غير طبيعية وذلك بغض النظر عمّا إذا كان المشروع التوسعي الإيراني يتقدّم أو يتراجع. الواقع الأقرب إلى الحقيقة أن هذا المشروع يتراجع. لم تتحمل إيران انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في شأن برنامجها النووي، كيف ستتحمل العقوبات الجديدة التي ستخنق صادراتها النفطية. لم تتحمّل مقتدى الصدر في العراق. ألغت نتائج الانتخابات لمجرّد ظهور توجه شعبي، لدى الشيعة خصوصا، يرفض الهيمنة التي تمارسها طهران على السياسيين العراقيين.

بعض التواضع أكثر من ضروري لبنانيا. لا حاجة إلى الدخول في تفاصيل الوضع السوري والمأزق الإيراني هناك والذي في أساسه أن لا وجود لأيّ قوة إقليمية أو دولية على استعداد للقبول باستمرار الوجود العسكري الإيراني في أرض سوريا.

كيف يمكن إيجاد ترجمة للتواضع اللبناني على الأرض؟ يبدأ ذلك بالاعتراف بأنّ سلاح “حزب الله” لا يعيد للمسيحيين حقوقهم، هذا إذا كانت للمسيحيين حقوق مغبونة بالفعل. ما يعيد الحقوق لجميع اللبنانيين يبدأ بنبذ كلّ سلاح غير شرعي، وصولا إلى الاعتراف بأنّ هناك حقوقا للبنانيين جميعا ضمنها اتفاق الطائف، على الرغم من وجود بعض الثغرات فيه. الخروج من الطائف عبر تشكيل حكومة بطريقة مضحكة تستهدف إظهار أن الكلام عن “العهد القوي” يمثل خروجا إلى المجهول، أي إلى “المؤتمر التأسيسي” الذي دعا إليه منذ سنوات عدة الأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصرالله. إنّه الطريق الأقصر إلى المثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين، بدل المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

هل هذا المطلوب حاليا من وراء كلّ الضغوط غير المباشرة التي يمارسها “حزب الله” لتشكيل حكومة ترضي إيران في لبنان؟

المصدر : جريدة العرب
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 22:14 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أخبار عن اللاساميّة وماليزيا وآيا صوفيا

GMT 00:18 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

رسالة إسرائيلية.. أم إنفجار؟

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقوق المسيحيين… بسلاح حزب الله حقوق المسيحيين… بسلاح حزب الله



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 07:30 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
 العرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab