حكاية ثورتينبل حكاية عائلتين

حكاية ثورتين...بل حكاية عائلتين

حكاية ثورتين...بل حكاية عائلتين

 العرب اليوم -

حكاية ثورتينبل حكاية عائلتين

خيرالله خيرالله

بعد عامين على "ثورة 25 يناير" المصرية التي انتهت بتنحي الرئيس حسني مبارك ثم محاكمته مع نجليه علاء وجمال وعدد من كبار مساعديه، ثمة واقع لا يمكن الاّ الاعتراف به. يتمثل هذا الواقع في ان الرئيس المصري السابق ادرك اخيرا انّه لم يعد قادرا على البقاء في السلطة من جهة وأن ثمن البقاء سيكلّف دما كثيرا من جهة اخرى. لا يستطيع انسان عاقل يمتلك حدّا ادنى من المنطق تحمّل مسؤولية سفك الدماء من اجل الاحتفاظ بالسلطة. يأتي يوم يطرح فيه المسؤول الكبير على نفسه سؤالا في غاية البساطة: كيف يمكن لي البقاء على كرسي الرئاسة، فيما قسم من الشعب يقتل ويشرّد على يد القوات المسلّحة التي يفترض بها ان تكون في خدمة الشعب وليس مجرد آلة قمع؟ هذا السؤال هو الذي يرفض الرئيس بشّار الاسد الاجابة عنه متذرعا بأنّ هناك في سوريا من يريد بقاءه في السلطة، علما بأن مشكلته واضحة كل الوضوح. انها مشكلة نظام لا يمتلك اي شرعية من اي نوع كان، نظام مرفوض من اكثرية ساحقة من الشعب السوري. لو لم يكن الامر كذلك، لما استمرت الثورة كلّ هذا الوقت على الرغم من الحصار العربي والاقليمي والدولي، وهو حصار يصبّ في نهاية المطاف في تفتيت سوريا. لا شكّ ان الايّام الاخيرة من حكم مبارك  كشفت امورا كثيرة. من بين ما كشفته أن المؤسسة العسكرية ليست مستعدة للدخول في مواجهة مع ابناء الشعب، حتى لو كان الرئيس يريد ذلك. على العكس من ذلك، كانت المؤسسة العسكرية على استعداد للدخول في صفقات معيّنة، خصوصا مع جماعة الاخوان المسلمين، بهدف تأمين انتقال سلمي للسلطة. وهذا ما حصل بالفعل عندما خرجت ميليشيات الاخوان الى الشارع وتوّلت عملية تفكيك قوات الامن المركزي وتحييدها، فيما اكتفى الجيش بالتمركز في مواقع حساسة داخل القاهرة وفي محيطها وأمّن في الوقت ذاته انتقال مبارك وافراد عائلته الى شرم الشيخ. بغض النظر عمّا سيؤول اليه حكم الاخوان في مصر وما اذا كانوا انقلبوا على المؤسسة العسكرية وتنكروا للاتفاق الضمني معها ام لا، يظلّ أنّ لا مفرّ من الاعتراف بأن حسني مبارك تصرّف، وان بعد فوات الاوان، بطريقة مسؤولة تعكس الى حد ما وجود بقايا مؤسسات لدولة في مصر. كذلك، يعكس التصرّف طبيعة الرجل نفسه. يمكن تلخيص هذه الطبيعة بأنّه ليس دمويا. ربّما كان يفكّر بما سيرد عنه في كتب التاريخ. الاكيد أنّ التاريخ  لن يمجد له ذكاءه الحاد، لكنّه  سينصفه، على الارجح، لرفضه الذهاب بعيدا في العنف. بعد عامين على رحيل حسني مبارك، نتيجة ثورة لم تدم اكثر من اسبوعين، ثورة خطفها الاخوان المسلمون من اهلها الحقيقيين،هناك مقارنة تفرض نفسها. هذه المقارنة هي بين الثورة المصرية والثورة السورية التي ستدخل قريبا عامها الثاني. تصلح المقارنة عنوانا لدراسة عنوانها: حكاية ثورتين وعائلتين. تختصر الحكاية الفارق بين مصر وسوريا وما مرّ به البلدان في السنوات الستين الماضية. انها ايضا حكاية عائلتين رفضت احداهما التغولّ بالدم وعرفت حدودها، فيما  ترى العائلة الاخرى أنّ لا خيار آخر امامها غير اغراق سوريا في بحر من الدم انطلاقا من السياسة الوحيدة التي تعرفها. أنها سياسة الغاء الآخر بمجرد وجود شك في ولائه وذلك اختصارا للوقت والجهد! ثمة من يقول أن مصر في السنوات الستين الماضية حافظت على بعض مؤسساتها، بما في ذلك القضاء. حتى في أيّام جمال عبدالناصر، بقيت آثار للدولة المدنية التي بناها النظام الملكي، اي اسرة محمد علي التي حكمت طوال  قرن ونصف قرن اقامت خلالها مؤسسات راسخة ومتطورة ربطت مصر ومجتمعها بكلّ ما هو حضاري في العالم. لم تتوفّر مثل هذه الفرصة لسوريا التي عانت منذ استقلالها في العام 1946 من ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته. ما نشهده في سوريا اليوم هو نتيجة مباشرة للغياب التام لمؤسسات الدولة، الموروثة عن الانتداب وعن العثمانيين، والتي تولّى حافظ الاسد تدميرها بشكل منهجي منذ وصوله الى الامساك بكل مفاصل السلطة في خريف العام 1970. لم يعد في سوريا نقابة مهنية محترمة واحدة. لم يعد هناك اي قضاء من أيّ نوع كان. تحول البلد تدريجا الى دكاكين تابعة للاجهزة الامنية لا اكثر. صار الضابط المهمّ القريب من العائلة والمنتمي الى مذهب معيّن اهمّ بكثير من أيّ رئيس للوزراء او وزير. من يقاوم حكم الاخوان في مصر الآن، على غرار مقاومة نظام مبارك، هو ما بقي من مؤسسات الدولة التي تحمي المواطنين المصريين المعترضين على نظام جديد- قديم لا همّ له سوى التحكم بالبلد بدل البحث عن حلول لمشاكله العميقة المتنوعة التي تبدأ بالتعليم ومستواه وتنتهي بالزراعة والسياحة مرورا بالنمو السكاني والفساد... أما من يقاوم النظام السوري حاليا، فشعب بكامله يعرف جيّدا أن بشّار الاسد لا يستطيع أن يكون مثل حسني مبارك الذي ينتمي الى جيل والده. ذلك ليس عائدا الى أنّه شامت بمبارك بعد الذي حلّ به فحسب، بل لانّه لا يستطيع ايضا تخيّل نفسه الاّ في موقع معمّر القذّافي الذي قضى على كلّ ما له علاقة من قريب او بعيد بمؤسسات الدولة المدنية... أنها حكاية ثورتين وعائلتين، قصة تختصر الفارق بين مصر وسوريا وما يمكن ان تنتهي اليه مصر وما يبدو محتملا ان تنتهي اليه سوريا!

arabstoday

GMT 07:02 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ترتيبات استقبال الإمبراطور العائد

GMT 06:59 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مسلحو سوريا سلفيون؟

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أزمة الغرب الخانقة تحيي استثماراته في الشرق الأوسط!

GMT 06:58 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

القرضاوي... خطر العبور في الزحام!

GMT 06:56 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مخاطر الهزل في توقيت لبناني مصيري

GMT 06:55 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

لعنة الملكة كليوباترا

GMT 06:54 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

الحرب على غزة وخطة اليوم التالي

GMT 06:53 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

نحن نريد «سايكس ــ بيكو»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكاية ثورتينبل حكاية عائلتين حكاية ثورتينبل حكاية عائلتين



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab