صورتنا

صورتنا...

صورتنا...

 العرب اليوم -

صورتنا

حازم صاغية

مهينةٌ الصورة التي انتشرت على مواقع التواصل . إهانتها من ذاك النوع الذي يجعل الرائي إليها يتصبّب عرقاً وحدَه في غرفة مقفلة.

عشرات الشبّان السوريّين مطروحون أرضاً. أيديهم مُقيّدة وراء ظهورهم، ووجوههم تقابل التراب. الأرض شبه صحراويّة، تشبه الأراضي التي تتعاطاها الأساطير حيث أوّل الخَلق أو آخر الحياة. لكنّ العنف وحده ما يخترق تلك الطبيعة ويذكّرها تذكير رجل بطّاش لأنثى لا حول لها.

فالشبّان يبدو كأنّهم يعضّون الأرض بأسنانهم، متمسّكين بما أُجبروا عليه لإدراكهم الخفيّ أنّ البدائل أسوأ، وأنّ فصلهم عن الأرض وإيقافهم على رجليهم قد يكونان مقدّمة لرحلة أسوأ. هنا نُميتُ الزمن بمضغ الذلّ والبقاء على قيد الحياة. هنا شيء من الثبات في المكان على الأقلّ.

يشاركهم الأرضَ إيّاها جنود لبنانيّون لا يظهر منهم غير وقوفهم بما يوحيه الوقوف من قوّة وتمكّن يواجهان الانبطاح. وثمّة جزء صغير من شاحنة عسكريّة، دولاباها أضخم من الشبّان المطروحين أرضاً، وفي وسع الدولابين أن يتحرّكا وأن يطحنا أولئك الشبّان الذين قد تُعرف أرقامهم من دون أن تُعرف لهم أسماء. وما هو أكثر بؤساً أنّ ما من شيء يوحي بأنّ هناك من يردع الدولابين إذا قرّرا الإقدام. وفي طرف الصورة شاحنة أخرى يتجمّع حولها عسكريّون ربّما كانوا يصعدون إليها أو يهبطون منها.

جيش، شاحنات، سلاح... يحرسون المهانة.

وشيء كهذا، على رغم التعقيدات المحيطة بالنزوح السوريّ ، مُستفظَع. «ينبغي ألاّ يُصوّر»، يقول البعض. «ينبغي ألاّ يحدث»، نقول.

كلّهم إرهابيّون؟ قليل من العقل يكفي لنبذ هذه الحماقة. هؤلاء هاربون من الموت. بعضهم الكثير عمّر بيوتاً للّبنانيّين أو اهتمّ بتشذيب بساتينهم وريّها. أمّا أقاربهم فممنوعون في معظم المناطق من مغادرة بيوتهم بعد حلول المساء. «عندما يأتي المسا» صارت أغنية بمذاق آخر.

ثمّ لو افترضنا الافتراض الأبله: كلّهم إرهابيّون، فهل يُحاكَم الإرهابيّون هكذا، وما الفارق، والحال هذه، بين عدالة الدول المؤسّسة على القانون و»عدالة» جماعات قاتلة كـ» داعش »؟

بينهم إرهابيّون؟ هذا محتمل جدّاً، ورفع علم « داعش » غير بعيد عنهم يوحي بأنّ صلات كهذه لا تُستبعَد. لكنْ أليست السجون السوريّة والعراقيّة التي تطرحهم أرضاً، كما هم مطروحون في الصورة، الأصل الأوّل لـ»داعش»؟ أوليست الأخيرة، بين آباء كثيرين لها، ابنة ذلّ كهذا؟

بعض الدارسين رأوا أنّ قدرة الإنسان على إيلام إنسان آخر مرهونة بشرط مسبق: تجريده من إنسانيّته. هكذا نبعّده عنّا ونزيل كلّ شَبَه يجمعنا به. هكذا نجعله بعوضة، وقتلُ البعوضة سهل في النهاية. لكنْ ماذا لو فعلنا العكس، ولو لمرّة واحدة؟ ماذا لو قلنا إنّ السوريّ مثلنا، وبدأنا نتحسّس أوجاعه من موقع اشتراكنا في الإنسانيّة؟ ماذا لو وضعنا أنفسنا حيث تقيم أنفس السوريّين: مكسورين، يلبسون المِزق التي لا تحمي من برد أو حرّ، وقد خسروا بلداً وأقارب وأشياء أليفة، وفرّوا بأطفالهم كي يصونوا القليل الذي تبقّى لهم. والحياة نفسها صارت للسوريّ هذا القليل!

ومفهومٌ أن نكون واقعيّين، وأن نحسب، ونقارن، ونفكّر في معالجة التردّي الراهن. بل مفهوم أن نفعل ما يفعله البعض إذ يغلقون التلفزيون كي لا يروا المأساة. لكنْ قبل هذا، مطلوب أن نكون بشراً، وأن ننتبه إلى أنّ مأساة السوريّين أعطتنا فرصة لإثبات بشريّتنا.

لقد نشأ موقّع هذه الأسطر في مكان قريب من مخيّمين فلسطينيّين، البارد والبدّاوي. وكانت أصداء ما يعانيه المخيّمان تصله مثلما يصل أنين يأتي من غرفة أخرى في البيت نفسه. فإنزال الألم والمهانة بالرجل والمرأة الفلسطينيّين كان عاديّاً، وكان يوميّاً. وحين انتشر السلاح وجد الفلسطينيّون أنّ الرشّاش السلعة الوحيدة التي يملكونها، والردّ الوحيد الذي يسترجعون عبره كرامة مفقودة. عندهم، لم يكن الأمر «تحرير فلسطين» إلاّ استطراداً، لقد كان الموضوع الفعليّ تحريرهم هم. ولو كان « داعش » حيّاً يومذاك لطلبوا هذا التحرير ولو في « داعش ». لكنْ، وكما نعرف جميعاً، انتهى الأمر بتدمير لبنان الذي لم يتعلّم منه اللبنانيّون شيئاً يُذكر.

وهذه شهادة فَرد مبالِغ في تأييد الجيش، إلاّ أنّ تأييده لا يستدرجه إلى مناهضة البشر. وهل ثمّة بيننا من يقبل هذا الخيار واضعاً الجيش في مقابل البشر؟ نحن لا نقبل. هل يقبل الجيش؟

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 07:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 07:25 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 07:23 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 07:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 07:18 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 07:16 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 07:13 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورتنا صورتنا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab