حسن الترابي الساحر

حسن الترابي... الساحر

حسن الترابي... الساحر

 العرب اليوم -

حسن الترابي الساحر

حازم صاغية

جمع الشيخ حسن الترابي، الذي رحل عن عالمنا قبل أيّام، بين كونه «رجل نظر» وكونه «رجل عمل».

في «النظر»، نظّر وخطّط واقترح، وكان دائماً يواكب ما يظنّه ميلاً صاعداً، أو قابلاً للصعود، ويتوهّم أنّه بالمبادرة النشطة يزيده صعوداً.

فهو راد الحركة الإسلاميّة السودانيّة يوم كان همّها الأكبر محاربة الشيوعيّة وحزبها، أقوى الأحزاب الشيوعيّة في العالم العربيّ حينذاك. وكان الإغراء الذي يحرّكه إحلال الإسلاميّين محلّ الشيوعيّين بوصفهم الطرف «الحديث» الأوّل في السودان، والطرف الثالث بعد الختميّة والمهديّة. لكنْ في التسعينات، حين أصيبت الحركة الإسلاميّة براديكاليّة توهّمت أن تسدّ مسدّ الضمور الشيوعيّ، صار الترابي ذاك الأمميّ الإسلاميّ الأوّل، يستضيف كارلوس وأسامة بن لادن، ويمضي في ممارسة الأبوّة لنظام اشتُهر بـ «بيوت الأشباح»، مؤكّداً تطبيق الشريعة في مجتمع متعدّد، مع ما يعنيه ذلك من تسعير للحرب مع الجنوب. فما إن انهارت علاقته بالسلطة العسكريّة التي أنشأها ورعاها، وكان الزمن زمن ديموقراطيّة وحقوق إنسان، حتّى راح يتحفنا بفتاوى وُصفت بالتقدّميّة والليبراليّة، كمحاربة ختان الإناث وجواز إمامة المرأة الصلاة، وزواج المسلمة من كتابيّ، ورفض «عذاب القبر»
.
بيد أنّ من انتظروا من الشيخ نقداً أو مراجعة لدوره الشنيع خلال 1989 - 1999، فكانوا عن عبث يبحثون. فوق هذا، ظلّ نصّه ما إن يواجه مشكلة تستدعي الحسم والوضوح، يغيّب المسؤوليّة المحدّدة ويستعيض عنها بحذلقات لغويّة متفنّنة تستنجد بالطبيعة أو بالقدر لكي تحجب ما صنعه الإنسان.

وهو، في «العمل»، بنى تنظيماً حزبيّاً تحوّل على يديه تنظيماً ثالثاً في السودان، ودخل السجن سنوات في عهدي جعفر نميري وعمر البشير، كما تولّى مناصب رسميّة منها وزارة الخارجيّة ورئاسة البرلمان الصوريّ للبشير. وقد ساجل ضدّ أطراف في الحركة الإسلاميّة داخل بلده وخارجه، وضدّ قيادات «التنظيم الدوليّ» لـ «الإخوان». إلاّ أنّ الثابت في مساره كان الولع بالانقلاب العسكريّ. فمع نميري، كانت العلاقة تفاوضيّة حول حصص السلطة، فيها السجن وفيها المكافأة السلطويّة، وأهمّ منها الوعد بسلطة أكثر. أمّا مع البشير، وهو صنيعة الترابي، فالتفاوض لا مكان له لأنّ السلطة كلّها ينبغي أن تكون حصّة الأب المؤسّس الذي يحدّد للأبناء حصصهم.

وهنا، كان الأب، لا الابن، هو الشخص الضالّ. أمّا مردّ هذا الضلال فعجز كامل عن رؤية الذات والعالم على حقيقتهما وبأحجامهما الفعليّة، وإلاّ كيف يطمح من ليس بعسكريّ أو رجل أمن إلى ركوب سلطة أمنيّة وعسكريّة، يسيّرها بموجب ما تتفتّق عنه أفكاره؟

وما من شكّ في أنّ التكوين الشخصيّ للترابي هو ما ولّد عُظامه. فالرجل الذي استطاع ديموقراطيّاً الوقوف على رأس الكتلة الثالثة في برلمان 1986، آخر البرلمانات السودانيّة، لم يرض بأقلّ من انقلاب 1989 الذي يعطيه وحده كلّ السلطة. ثمّ، في السلطة، توهّم دوراً يحيل السودان إلى منصّة له كي ينطلق إلى أمميّته الإسلاميّة.

لقد أنتج لقاءُ رجل النظر ورجل العمل في حسن الترابي رجلَ السحر الذي صاره. والسحر، وسط شعوبنا التي لا تكفّ عن طلب الانسحار، مجلبة للعظمة ومجلبة للسجن اللذين قضى الشيخ الراحل حياته وهو يتقلّب بينهما. هكذا يغدو الساحر مسحوراً ببضعة أوهام وبضع كلمات.

وكثيرون مثل الترابي تقلّبوا بين العظمة والسجن، وكثيرون سوف يتقلّبون في عالمنا الساحر - المسحور هذا

arabstoday

GMT 03:04 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

سقوط البشير!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسن الترابي الساحر حسن الترابي الساحر



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab