العنف والتطبيع معه

العنف والتطبيع معه!

العنف والتطبيع معه!

 العرب اليوم -

العنف والتطبيع معه

حازم صاغية

 لا تخفّف الاستعادة التاريخيّة لأحداث العنف من الخراب والهمجيّة المتماديين اللذين يطالان منطقتنا، ومن الألم القاتل الذي يعصف بأفراد كما بجماعات تضافرت الشروط لهبوط الشقاء عليهم. كذلك لا تخفّف النقاشات المتواصلة حول العنف وتوزيع المسؤوليّات عنه، بين الحداثة والقدامة والاستعمارات والأنظمة والثقافات والأديان، من وطأة العنف هذا.

وذلك لا يعني، بطبيعة الحال، أيّة استهانة بالمراجعات التاريخيّة أو بالنقاشات التأويليّة، لكنّه يعني عدم استخدامها للتقليل ممّا يجري أو لتسهيل هضمه على ضحاياه أو على أصحّاء آثروا ألاّ يهضموه.

فأن يكون الغرب قد شهد مثل هذه الوحشيّة في تاريخه، وأن تكون أنظمة الاستبداد العربيّة قد مارست كلّ تلك القسوة وتكتّمت عليها، فهاتان الحقيقتان لا تقودان إلى أيّ تطبيع مع وحشيّة «داعش» أو أيّ تعوّد عليها.

فالألم والخطر لا يخفّفهما على ضحاياهما كونُهما مسبوقين في التاريخ، وفي النهاية لا يوجد ألم أو خطر غير مسبوقين. فوق هذا، تميل ردّة الفعل الطبيعيّة عند من تنزل به الفظاعة إلى اعتبارها سابقة غير مسبوقة. وحتّى لو كانت ردّة الفعل هذه خطأ معرفيّاً، فإنّها تبقى شرطاً من شروط المعنى والتماسك الإنسانيّين، تماماً كما يرقى انتزاعها من أصحابها إلى عدوان آخر عليهم وحرمان آخر لهم.

بيد أنّ الميل إلى تطبيع الفظائع، بحجّة وجود فظائع أكبر، يكاد يصبح نهجاً دلّ إليه، مثلاً لا حصراً، بعض التعاطي مع جريمة «شارلي إيبدو» الفرنسيّة. فهناك أيضاً تكاثرت الأصوات التي ترى أنّ ما من جديد تحت الشمس، وما من خصوصيّة لأيّ حدث في هذا التاريخ الصادح دائماً بالعنف.

والحال أنّ منطقاً كهذا مفهوم، بل مطلوب، حين يكون المتلقّي طرفاً غربيّاً قد يضعف أمام إغراء «صراع الحضارات» و «رُهاب الإسلام». وفي المعنى هذا، مفيدٌ أن يذكّر باراك أوباما مثلاً بـ «الحروب الصليبيّة ومحاكم التفتيش»، حيث «ارتُكبت أفعال بشعة باسم المسيح». ومفيدٌ أن يصدر هذا المعنى عن مثقّفين غربيّين وبلغات غربيّة.

لكنْ عندنا، فإنّ ميل التطبيع مع الفظاعة (وقد أحصيت أكثر من 20 مقالة من هذا الصنف، فضلاً عمّا حمله التواصل الاجتماعي) يخفي شيئين خطيرين: فأوّلاً، هناك فارق بين رفض الجوهرانيّة السقيمة التي تعتبر الإسلام كلّه، ووحده، ودائماً، مصدر الشرور الثابت، وبين الحماسة للدفاع عن معتقد ترتفع قداسته بما يبرّر ملاطفة الفظاعة كي لا يصاب مُقدّسـ»نا» برذاذ النقد. فليس هناك ما ينبغي ألاّ يُمسّ حين يكون مسّ البشر مطروحاً، وليس أسوأ من كره الذات، في هذا المعرض، إلاّ عشق الذات.

أمّا الشيء الآخر فأنّ التطبيع مع الفظاعة تعبير إضافيّ عن استفحال العنف في الحياة العربيّة راهناً، بحيث أن الأخير انتفخ إلى حدّ لم يعد معه بحاجة إلى من يخفّف منه. وهذا بعض ما تقوله سياسة «داعش» في إشهار الشرّ وتعميم صوره، بما تعكسه من تجاهل كلّيّ للعالَم ومعاييره وحساسيّاته، تجاهلٍ تحاول أنظمة الاستبداد أن تتحايل عليه، جاهدةً إلى رسم صورة «حضاريّة» لنفسها.

لقد كان لافتاً في الآونة الأخيرة أنّ «يردّ» الأردن على إحراق الطيّار معاذ الكساسبة بإعدام الإرهابيّين ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي، وسط انتشار لغة «الثأر من داعش» و «الثأر للكساسبة». ولم يكن أقلّ لفتاً للنظر أن يفتي البيان الصادر عن الأزهر بقتل إرهابيّي «داعش» وصلبهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم.

ذاك أنّ عالمنا يغدو تدريجاً أسير «داعش»، لا يملك لغة أخرى أو تبادلاً آخر إلاّ العنف المحض الذي به «يُردّ» على عنفها. وهو ما استثمرت فيه أنظمة الاستبداد طويلاً وكثيراً، قبل أن يتولّى الإحباط بالثورات العربيّة هذا الاستثمار. والتطبيع مع واقع كهذا، واقعٍ شامل وزاحف ومتمدّد، وغير معنيّ بتاتاً بالتطبيع مع سواه ممّا تعارف الكون عليه، أمرٌ لا يطاق.

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 07:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 07:25 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 07:23 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 07:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 07:18 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 07:16 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 07:13 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العنف والتطبيع معه العنف والتطبيع معه



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab