الإرهاب بين إسلام المرتكب وفرنسيّته

الإرهاب بين إسلام المرتكب وفرنسيّته

الإرهاب بين إسلام المرتكب وفرنسيّته

 العرب اليوم -

الإرهاب بين إسلام المرتكب وفرنسيّته

حازم صاغية

ما لا شكّ فيه أنّ عالم المسلمين هو اليوم عالم المشكلات الأكبر في المعمورة، وهو ما يمتدّ خصوصاً إلى الحضور الإسلاميّ في عوالم غير المسلمين. وهذا، في أغلب الظنّ، ذو مصادر عدّة شديدة التداخل في ما بينها، تتبادل التأثّر والتأثير من دون انقطاع.

فهناك العسف والاستبداد أوّلاً. وهناك، ثانياً، سطوة النظام القرابيّ، الذي تشكّل الطائفة والمذهب والإثنيّة امتداداته الموسّعة، والذي يستفيد من تعطيل الاستبداد قيام مجتمعات سياسيّة. وهناك، ثالثاً، عدم تعرّض الدين للإصلاح على نحو يواكب المعاصرة ويعاصرها. ثمّ رابعاً، هناك الفقر الذي يجاور التخدير النفطيّ حيث تعمل طرق استخدام هذه الثروة الهائلة وعائداتها على استبعاد الشعور بإلحاح التغيير وضرورته، لا سيّما في مجالي الإصلاح الدينيّ والتغيير الاجتماعيّ. وهناك، أخيراً، ثقافة شعبيّة أكثرويّة، حذرة حيال الأقلّيّات، إن لم تكن معادية لها، وهذا من أخطر النتائج المترتّبة على مركّب الاستبداد والنسيج القرابيّ لاجتماعنا. وفوق هذه العوامل جميعاً أضافت السنوات الأخيرة الإحباط بنتائج ثورات «الربيع العربيّ».

لكنْ ما دام العالم معولماً فإنّ مشاكله عالميّة. وهي قد تبدو، في هذه اللحظة أو تلك، أشدّ سطوعاً وقوّة في منطقة بعينها من مناطق المعمورة، بحيث تكون «أضعف حلقات السلسلة»، فيما للسلسلة أصول وأسباب وفروع ونتائج تتعدّى المنطقة المذكورة. وهذا، بالطبع، لا يخفّف الحاجة إلى كسر الاستبداد أو طلب الإصلاح الدينيّ، لكنّه يوسّع إطار الصورة ويستدرج حلولاً تتجاوز الحلّ الأوحد والمنطقة الواحدة، مثلما ينزع عن المشكلة الجوهرانيّة والتثبّت والفرادة، أرُسمت هذه الفرادة بحبر سلبيّ («هكذا هو الإسلام») أو بحبر إيجابيّ («الأصالة» الخ...).

فتماماً كما أصابت الجريمة الباريسيّة الأخيرة فرنسيّين ملحدين ومسيحيّين ومسلمين ويهوداً، وفرنسيّين بيضاً وسوداً، فإنّها استنطقت أدواراً تتعدّى الدور الواحد، سيّما وأنّ مرتكبي الجريمة فرنسيّون بقدر ما هم مسلمون. والحقّ أنّنا هنا أمام علاقة سببيّة وتكافل ضدّيّ: فكلّما قلّت قدرة هؤلاء على أن يكونوا فرنسيّين زاد استعدادهم لأن يكونوا مسلمين. والقدرة على أن تكون فرنسيّاً، بما يتعدّى نيل الجنسيّة، على أهميّة ذلك، لم تعد كما كانت من قبل.

هنا، على رأس قائمة الاتّهام تقف النيو ليبراليّة الاقتصاديّة الرائجة منذ مطلع الثمانينات، والتي زادت مفاعيلها احتداماً بعد أزمة 2008. فهذه، وإن كانت في فرنسا أكثر رأفة بالبشر منها في بريطانيا والولايات المتّحدة، أعاقت اندماج الشبّان، خصوصاً شبّان الضواحي الأقلّ تأهيلاً، في الدورة الاجتماعيّة لبلدها. والحال أنّ نسبة المندمجين إلى غيرهم من أبناء المهاجرين تراجعت تراجعاً خطيراً عمّا كانته في الستينات والسبعينات، أيّام الليبراليّة لا النيو ليبراليّة، والرأسماليّة المنتجة لا التوحّش الماليّ. وهذا فيما نسبة البطالة في بيئة المهاجرين تبلغ ضعف ما هي عليه على الصعيد الوطنيّ العامّ. وليس مصادفاً، في المعنى هذا، وتيمّناً ببعض أسوأ ما في النموذج الأميركيّ، أن يصير السجن مدرسة التأهيل الأبرز لشبّان دخلوه لصوصاً صغاراً وخرجوا منه مجرمين كباراً.

وطرح كهذا قد يسهم في توثيق الربط بين الهمّ الموضعيّ والهمّ الكونيّ الأشمل المنبثق من تعاظم المسافة بين ثراء بالغ تُحدثه العولمة وتوزيع بالغ السوء والاختلال. كما قد يعمل على محاصرة «صراع الحضارات» والانحياز إلى الصراع داخل «الحضارات»، حيث يقف كثيرون من المسلمين إلى جانب مَن هم ليسوا مسلمين، كما يقف كثيرون من غير المسلمين إلى جانب مسلمين كثيرين.

الإشارات التي تدلّ إلى ذلك قليلة بطبيعة الحال. لكنّ هذا ممّا يضاعف المسؤوليّة الملقاة على المسلمين وعلى سوانا، علماً أنّ هذا السوى يستجيب ذاك التحدّي على نحو لا تُقارَن به استجابة العالم الإسلاميّ حتّى اليوم.

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب بين إسلام المرتكب وفرنسيّته الإرهاب بين إسلام المرتكب وفرنسيّته



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab