إسرائيل إذ تهدّدها يهوديّتها

إسرائيل إذ تهدّدها يهوديّتها

إسرائيل إذ تهدّدها يهوديّتها

 العرب اليوم -

إسرائيل إذ تهدّدها يهوديّتها

حازم صاغية

في 1948 قامت دولة إسرائيل بوصفها دولة لليهود أساساً، وبوصفها أيضاً دولة ديموقراطيّة. وهي في هذا وذاك لم تكن فريدة في "عالم الإسلام" العريض. فقبل عام على نشأتها، استقلّت باكستان عن الهند بوصفها دولة للمسلمين. وقبل خمس سنوات على تلك النشأة، اعتمد لبنان المستقلّ النظام الديموقراطيّ، بينما كانت بلدان عدّة في المشرق العربيّ، كمصر وسوريّة والعراق، تغازل الديموقراطيّة البرلمانيّة قبل أن تطيحها الانقلابات.

لكنّ تلك الديموقراطيّة لم تقلع في باكستان إلاّ لفترات عارضة تفصل بين انقلابين عسكريّين. أمّا لبنان فلم تقترن ديموقراطيّته العرجاء بإعلانه وطناً لدين معيّن. لقد قالت باكستان إنّها أرض الانقلاب والإسلام، فيما زعم لبنان أنّه أرض الديموقراطيّة وتعدّد الأديان والطوائف.

وبدورها، بدت أزمة إسرائيل من نوع مركّب زادها احتلال أراضي 1967 تأزيماً. فالديموقراطيّة واليهوديّة، أو أيّ دين آخر، معنيان متعارضان: أوّلهما كونيّ وشامل ومساواتيّ، والآخر حصريّ ينطوي على تمييز مَراتبيّ. هكذا كانت كلّ منهما حدّاً على الأخرى، فانتهى الإسرائيليّون إلى ديموقراطيّة معاقة ويهوديّة مكبوتة.

أحاط بهذه التجربة ما كان يحدث في الجوار: ذاك أنّ الوجه اللبنانيّ انهار تماماً، وكانت بداية انهيار لبنان في 1975 بداية انهياره، فلم يعد النموذج اللبنانيّ نموذجاً لأحد، بل لم يعد نموذجاً لنفسه. أمّا الوجه الباكستانيّ فشعّ وازدهر مصحوباً بتفتّت لم تحتمل مثله السلطة العسكريّة في باكستان. لقد اعتنقت المنطقة ما هو يهوديّ في إسرائيل ولم تعتنق ما هو ديموقراطيّ.

والتحوّل هذا، معطوفاً على الحروب، وجد في الدولة العبريّة استقباله اللائق. فهنا أيضاً تزايدت أعداد الشرقيّين الصادرين عن مجتمعات عديمة الديموقراطيّة أو قليلتها، فيما انكمش التقليد العمّاليّ الأوروبيّ الأصل الذي أسّس الدولة ورعاها.

والآن يبدو أنّ بنيامين نتانياهو يتهيّأ للزمن الجديد، زمن الانهيار المعلن للدول الوطنيّة والصعود المدوّي للهويّات الصغرى، بحجز مقعد وثير لدولته. هكذا نراه يوفّر لليهوديّة في إسرائيل دفعاً جديداً على حساب الديموقراطيّة. وقد يتراءى لعقل سياسويّ ضيّق، هو عقله، أنّ نتائج عمل كهذا أكثر من مضمونة. فالمنطقة العربيّة فاقدة القوّة تماماً، غارقة في حروبها، والفلسطينيّون تحديداً عديمو الخيار، مقسّمون ومفتّتون، بينما دولته، ذات الجيش القويّ والسلاح النوويّ، أقوى من دويلات الجوار المحتملة أو المحتربة مجتمعة.

لكنّ ضعف العرب والفلسطينيّين ليس قوّة مضمونة لإسرائيل على المدى البعيد. فهي لطالما ظنّت أنّ عدوّها هو الفلسطينيّ أو العربيّ وحدهما من دون أن يخطر لها أنّها هي نفسها قد تفرز أعداء من داخلها، أعداءً ينجمون عن اعتداء اليهوديّة فيها على الديموقراطيّة، وعن اعتداء الاستيطان على المواطنة، في ظلّ تنصّل الأصدقاء من صداقتها وارفضاضهم عنها.

وفي قوّة كهذه يقيم كثير من الضعف النائم. فتلوح الدولة العبريّة، في هذا المعنى، صورة مكبّرة عن العائلة التي وُلد فيها أرييل شارون في 1928، قبل نشأتها بعشرين عاماً. فهناك، في قرية كفر ملال التعاونيّة، أعطيت لكلّ واحدة من العائلات قطعة أرض تساوي القطعة المعطاة للعائلة الأخرى. لكنّ أسرة شارون، وفق السيرة التي وضعها الصحافيّ والكاتب عوزي بنزامين للجنرال اللاحق، كانت الوحيدة التي سيّجت حدودها بالأسلاك وحمتها بالكلاب، ثمّ راحت بين وقت وآخر توسّعها، شيئاً فشيئاً، على حساب الآخرين وأراضيهم. هكذا غدا أهل شارون، باعتمادهم على الكلاب، يملكون قطعة الأرض الأكبر، غير أنّهم، وإن امتلكوا الكلاب، افتقروا إلى الأصدقاء. والقوّة، في آخر المطاف، شيء أعقد كثيراً من كلاب الحراسة. فالأخيرة يجتاحها، هي أيضاً، طوفان الوحل الذي يغمرها ويغمر المنطقة.

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل إذ تهدّدها يهوديّتها إسرائيل إذ تهدّدها يهوديّتها



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab