أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا

أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا

أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا

 العرب اليوم -

أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا

بقلم : حازم صاغية

لا تكون الدول القوميّة في منطقتنا ذاتَها كما تكون حين تضطهد الأكراد. ولا يشعر الأكراد بالانسجام مع كرديّتهم كما يفعلون حين ينتفضون على تلك الدول. لهذا خيّم شيء من اللامعقول على فترات الهدنة التي كانت تنشأ بين الطرفين. هكذا، ومثلاً لا حصراً، بدا غريباً وضع العراق في السنتين اللتين أعقبتا انقلاب 14 تمّوز (يوليو) 1958، أو في السنة التي أعقبت اتّفاقيّة 11 آذار (مارس) 1970. فذاك البلد، كما نعرفه، من مواصفاته العميقة العدوان على الأكراد، قبل أن يغدو المسرح المفتوح للتذابح السنّيّ – الشيعيّ.

أمّا في سوريّة، فذهب الأمر أبعد في الغرابة، إذ حلّ تعاون مداور، وأحياناً صريح، بين الأكراد والسلطة الأسديّة التي استكثرت لعقود منحهم الجنسيّة. وهو تعاون لم يتوقّف إلاّ مؤخّراً، معلناً في توقّفه أنّ القاعدة قاعدة والاستثناء استثناء.

والحال أنّه كان شذوذاً من الطرفين يعاكس تمام المعاكسة تصوّرنا المؤمثل عن ثورة ينضوي فيها الشعب، كلّ الشعب، وعن نظام يقمع الشعب، كلّ الشعب.

بيد أنّ الأكراد السوريّين مارسوا الشذوذ، بما انطوى عليه من سينيكيّة وانتهازيّة، لعلمهم أنّ ذاك التصوّر مؤمثل لا يتّسع له الواقع. فهم كانوا أسبق من سواهم إلماماً بأنّ انفراط الدولة في سوريّة سينتج انفراطاً للمجتمع، لا لأنّ هذه الدولة مصدر لاجتماع سويّ، بل لأنّها مصدر لاجتماع مُصادَر وممنوع. وهم استنتجوا أنّ عليهم، ما دامت الأمور هكذا، أن يقتنصوا فرصتهم ويغادروا بيت الطاعة. ويغلب الظنّ، تبعاً لهذا التصوّر، أنّهم استخدموا السينيكيّة والانتهازيّة كما تُستخدم التكتيكات في خدمة استراتيجيّة ما، فيما الهدف الاستراتيجيّ بلوغ ما يتراوح بين الفيدراليّة والاستقلال.

وما من شكّ في أنّ النظام الأسديّ، البارع في الشرّ، برع في اغتياله مشعل تمّو، رئيس «حزب المستقبل الكرديّ»، بعد أشهر على اندلاع الثورة. ذاك أنّ اغتياله أضعف المراهنين على ثورة سوريّة ينضوي فيها السوريّون جميعاً. إلاّ أنّ المشكّكين بإمكانيّة كهذه، قبل مصرع تمّو وبعده، سريعاً ما وجدوا بحراً من البراهين تبدأ بانتفاضة حماة في 1982 التي لم يهبّ باقي السوريّين لإنجادها، ولا تنتهي بانتفاضة القامشلي في 2004 حين تُرك الأكراد وحدهم. وضدّاً على المتفائلين، المتناقصي العدد، بطاقة توحيديّة تمتلكها الثورة، يستطيع الأكراد أن يستشهدوا بأحوال حلب، حيث ترافق الغزو والحصار الأسديّان مع انقشاع المدينة على هيئة مدينتين متضاربتين.

وللمدقّق في اليأس الكرديّ من إفضاء الأمور إلى حلّ وطنيّ يتجاوز الطوائف والإثنيّات والمناطق، يحضر الدور التركيّ الموصوف بدعم الثورة. ذاك أنّ مطالبة الأكراد بالانخراط في ثورة مدعومة من تركيّا تشبه مطالبة العرب بالانخراط في ثورة مدعومة من إسرائيل. ونفورٌ كهذا إنّما تعزّزه وقائع لا تخطئها العين: فأنقرة، كما بات معروفاً، غيّرت وتغيّر مواقفها من كلّ اللاعبين، بمن فيهم الأسد و «داعش»، فيما هي ثابتة على موقفها من الأكراد.

كذلك لم تستطع قوى الثورة، من خلال ممثّليها المختلفين، أن تقول كلاماً حاسماً ونهائيّاً حول الجمهوريّة التي يراد بناؤها، وأنّها ستكون «سوريّة» فحسب، من دون أيّة زائدة «عربيّة». ولا قيل، في المقابل، الكلام الحاسم والنهائيّ في حقّ الأكراد بتقرير مصيرهم. ثمّ إنّ القائل المفترض غير موجود أصلاً بفعل تعدّد القوى والمراكز، سيّما أنّ أقواها على الأرض إسلاميّة وسلفيّة يصعب أن يجمعها بالأكراد قاسم مشترك أو تصوّر موحّد للعالم وللمستقبل.

صحيح أنّ أكبر ثورات العالم، بما فيها الفرنسيّة والروسيّة، تقاطعت مع حروب أهليّة وحروب وتدخّلات خارجيّة. لكنّ المؤلم في سوريّة أنّ تلك الحروب والتدخّلات ابتلعت الثورة على نحو يترك الأكراد أمام خيار مُرّ: هل يكونون «العاشق الوحيد» الذي يراهن على ثورة جامعة في المثال، مفتّتة في الواقع، أم يفكّرون بنجاتهم بعدما تعذّرت نجاة باقي السوريّين؟

وقد يقال إنّ أكراد سوريّة لا يملكون المواصفات التي يملكها أكراد العراق وتركيّا، وهذا صحيح تبدّت صحّته مؤخّراً في الانسحاب إلى شرق الفرات، وفي اتّضاح أنّ الحليف الأميركيّ لا يضحّي بالوزن التركيّ كرمى للوزن الكرديّ. وهذا ما سوف يطيل المسافة التي سيضطرّ الأكراد إلى عبورها وسط صحراء من الألم. لكنّها الخطى التي كُتبت على الأكراد والتي سيضطرّون إلى مشيها، مرّة بعد مرّة، إلى أن يصلوا.

arabstoday

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 06:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

... عن «الاسم» والكفاءة في مواجهة إسرائيل

GMT 09:00 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

GMT 04:38 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الحرب على غزّة بين دوري الداخل والخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab