إذ يصوّتون الأقوياء و الضعفاء

إذ يصوّتون: "الأقوياء" و "الضعفاء"

إذ يصوّتون: "الأقوياء" و "الضعفاء"

 العرب اليوم -

إذ يصوّتون الأقوياء و الضعفاء

بقلم : حازم صاغية

يطرح دونالد ترامب، في شخصه وصعوده، مسألة كثيراً ما استغرقت الأفكار السياسيّة. إنّها مسألة القوّة والضعف، والإمبراطوريّة والعبيد، والجلاّدين والضحايا، إلى ما هنالك من ثنائيّات درّجها خصوصاً قاموس اليسار الأميركيّ.

ولنقل، بادئ بدء، إنّ هيلاري كلينتون تمثّل الأقوياء، في هذه المنافسة الدائرة اليوم في الولايات المتّحدة. وهذا الوصف المستند إلى علاقاتها المؤكّدة بوول ستريت، إنّما تسبّب ببعض أكبر الانتقادات التي وُجّهت، وغالباً بحقّ، إليها. لكنّ تلك العلاقات لا توجز تعابير قوّتها: فكلينتون ابنة «المؤسّسة» و «النخبة»، عملت وزيرة خارجيّة وكانت زوجة لرئيس سابق حكم ثماني سنوات، وجمعت من المال لحملتها ما لم يجمعه ترامب، فضلاً عن أنّها تحظى بتأييد الولايات الأغنى، وتصوّت لها القطاعات الأكثر تعلّماً ومعرفة بالعالم وأحواله.

وبدوره يمثّل ترامب شريحة عريضة جدّاً من فقراء الولايات المتّحدة وضعفائها، تضمّ الطبقة العاملة البيضاء والفئات الدنيا التي تتاخمها في الهرم الاجتماعيّ. وإلى هذه الأوساط ينتسب الجنود الذين يُقتلون في الحروب، فيما الذين يعودون منها جرحى ومعوّقين لا يلقون العناية الطبّية اللازمة. وهؤلاء، على عكس الضعفاء السود واللاتين، لا يثيرون التضامن والتعاطف اللذين يستحقّونهما، ولا يوجد، باستثناء ترامب، من يحوّلهم رمزاً للقهر وأيقونة للتضحية.

صحيح أنّ مسألة «التمثيل»، هنا، وككلّ تمثيل، تستحضر إشكالات عدّة. فترامب لن يخدم مصالح الضعفاء الذين يمثّلهم، وهو إذا فاز بالرئاسة سيزيدهم ضعفاً على ضعف.

 لكنّهم اختاروه بمحض إرادتهم تبعاً لوعي زائف يستولي عليهم، وإن كان سلوك «النخبة» واحداً من البواعث الدافعة إلى وعي كهذا. لكنْ يبقى أنّ وعياً زائفاً كهذا سيرتّب، في حال فوز ترامب، نتائج كارثيّة على أميركا والعالم يصعب على أيّ حدث آخر أن يرتّب مثلها.

في المقابل، فإنّ كلينتون، القويّة، محكومة بإملاءات يصعب أن تتفلّت منها. وحتّى لو جرّدناها من كلّ حسّ إنسانيّ وأخلاقيّ، فإنّها تبقى ملزمة ببرنامج اجتماعيّ متقدّم توصّلت إليه مع بيرني ساندرز، وبموقع حزبها في الرأي العامّ وتأثير سياساتها على كسبه انتخابات مقبلة، وحرصها على المؤسّسات واشتغالها. وهذه العوامل وسواها تعني أنّ هذه السيّدة «القويّة والنخبويّة» ستكون أكثر تمكيناً للضعفاء من ممثّلهم المختار دونالد ترامب.

وتفضيل هؤلاء على أولئك يمكن البرهنة عليه في معظم البلدان التي تتبع أنظمة ديموقراطيّة، يصحّ هذا في بريطانيا بين دعاة البقاء في أوروبا من «النخبويّين» ودعاة الخروج من «الضعفاء»، وفي فرنسا بين ألان جوبيه «النخبويّ» و «البورجوازيّ» وثنائيّ ساركوزي - لوبن المترجّح بين الشعبويّة والعاميّة، وفي إسرائيل بين ممثّلي «المؤسّسة» الإشكنازيّة التقليديّة والليكوديّين وحلفائهم الأجلاف.

 أمّا في ألمانيا فحرامٌ المقارنة بين أنغيلا مركل وبيغيدا.

وهو تفضيل تكثر البراهين عليه في الماضي، وفي كلّ حالة تمكّن معها طرف فاشيّ أو بونابرتيّ من بلوغ السلطة برلمانيّاً باسم الشعب والضعف والحرمان. ولا يختلف الأمر على نطاق كونيّ، حيث تُعدّ بلدان كروسيا بوتين وإيران الخامنئي، اللتين تستفحلان قوّةً وحشيّة في حلب، ضعيفتين تواجهان ما تعتبرانه الاحتكار الأميركيّ-الأوروبيّ للقوّة.

إلاّ أنّ التفضيل هذا لا يسري على المجتمعات التي لا تحكمها الديموقراطيّة والمؤسّسات، كمعظم بلداننا العربيّة، بحيث تتحوّل القوّة إلى توحّش بلا ضوابط، والضعف إلى عبوديّة بلا قاع. هنا يكون الضعفاء مصيبين والأقوياء مخطئين وخطرين، في انتظار أن يحظى الأوّلون بالحرّيّة ويباشروا السير نحو الديموقراطيّة أو ربّما نحو الطغيان.

وبالعودة إلى الولايات المتّحدة، كم يبدو تفضيل «الضعف» ممثّلاً بترامب، على «القوّة» ممثّلةً بكلينتون، استعادة كسولة لما فعله ويفعله ماركسيّون أهملوا وعي الطبقة واكتفوا بموقعها الاقتصاديّ. ذاك أنّ المأمول ليس التعلّق بوعي الضعيف الذي يستبطن قوّة استبداديّة ماحقة، طائفيّة أو إمبراطوريّة، بل التمسّك بالوعي الذي ينهي ضعفه بدل أن يكرّسه بحجّة مناهضة الأقوياء.

فعسى أن نستيقظ فجر الغد وقد ألحق هؤلاء «الأقوياء» هزيمة مدوّية بأولئك «الضعفاء» الخطرين.

arabstoday

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 06:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

... عن «الاسم» والكفاءة في مواجهة إسرائيل

GMT 09:00 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

GMT 04:38 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الحرب على غزّة بين دوري الداخل والخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذ يصوّتون الأقوياء و الضعفاء إذ يصوّتون الأقوياء و الضعفاء



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab