عن ترامب وبقية شعبويّي الغرب

عن ترامب وبقية شعبويّي الغرب

عن ترامب وبقية شعبويّي الغرب

 العرب اليوم -

عن ترامب وبقية شعبويّي الغرب

بقلم : حازم صاغية

إذا استعدنا، بقدر من التصرّف، عبارة لليون تروتسكي عن الفاشيّة، أمكن القول إنّ الحداثة المعولمة ابتلعت في العقود الثلاثة الماضية الشيء الكثير، وهي ابتلعته بسرعة، وعلى نحو غير عادل. ولأنّ الأمر هكذا، فإنّها لم تهضم هذا الكثير الذي ابتلعته، بل تقيّأتْ بعضه. والقيء هو اليوم دونالد ترامب وأشباهه في أوروبا.

ما وصفه تروتسكي في الثلاثينات يشبه، ولا يشبه، ما يعاش اليوم ممّا لا يزال تعريفه ينجم عن المقارنة بالفاشيّات الكلاسيكيّة أكثر ممّا يقوم بذاته كحالة مستقلّة.

فليس ثمّة، بين شعبويّي يومنا، تيّار عريض ومتماسك يرفض الديموقراطيّة وتقنيّتها الانتخابيّة، أو يعد بإلغائها حال الوصول إلى السلطة. صحيح أنّ ثمّة أفراداً محيطين بترامب يشكّكون بـ «عداليّة الديموقراطيّة» ويتّهمونها بـ «تحكيم الأغبياء والجهلة»، إلاّ أنّ أصوات هؤلاء لا تُسمع قياساً بأصوات الذين يعلنون التمسّك بها والحكم باسمها.

 وهذا من دون استبعاد المحاولات التي قد تؤول إلى التحكّم بالعمليّة الديموقراطيّة والمبالغة في ضبطها سلطويّاً. ويُخشى هنا خصوصاً تضخّم الميل الدارج اليوم إلى هجاء «المؤسّسة»، بوصفه تذكيراً بهجاء «فساد الأحزاب» الذي شكّل في العقود الماضية تمهيداً ضروريّاً لإلغاء السياسة. ولا يُنسى أنّ دونالد ترامب نفسه سبق له، قبل الانتخابات، أن حذّر من احتمال تزويرها. وهو المنطق الذي يفضي، في حال شيوعه، إلى إضعاف الثقة بالمؤسّسات كمصدر تحكيم أخير، والتشكيك تالياً بأحد أبرز روابط المواطنيّة وأهّمها.

كذلك توجد في الولايات المتّحدة ميليشيات متفرّقة تزعم التفوّق الأبيض، إلاّ أنّ الشعبويّة الراهنة تفتقر إلى تنظيمات شبه عسكريّة موازية للسلطة وجيشها على نطاق وطنيّ، كـ «قوّات العاصفة» النازيّة وسواها. ولئن وُجد لاساميّون في البيئات الشعبويّة الناهضة اليوم، في الولايات المتّحدة وأوروبا، فمن المستحيل تصوّر محرقة على غرار ما عرفته الأربعينات.

وعلى صعيد آخر فإنّ الذي يفكّر بـ «عبادة الدولة» وفقاً لتعاليم الفاشيّة الإيطاليّة، يواجهه راهناً، أقلّه في الشعبويّة الأميركيّة، عداءٌ حادّ للدولة ورغبة في محاصرتها والحدّ من دورها. وغنيّ عن القول إنّ أثر الليبيرتاريّة في تشكيل «اليمين البديل» في أميركا أقوى من أثر التيّارات الفكريّة الأخرى.

طبعاً يتكرّر في زمننا لقاء الأزمة الاقتصاديّة والفكر الرجعيّ، كما يتكرّر استحضار الفائض القوميّ الهائج، وإن بات عنصره الثقافيّ يغلب على عنصره العرقيّ المحض.

 لكنْ من دون أن تختفي جيوبٌ عنصريّة الهوى والعقيدة، ورموز سيقيم بعضها في البيت الأبيض، قريباً من الرئيس، لا يزال الكلام عن «إيديولوجيا عنصريّة» متماسكة مستبعداً جدّاً، كما هو مستبعد شيوع أدبيّاتها التي لا تزال في بعض البلدان موضع تجريم.

كذلك تتشخّص الحركات الراهنة في زعيم معصوم، وإن كانت المؤسّسات الحاليّة أشدّ تقييداً لعلاقته المباشرة بـ «الشعب» و «الجماهير». أمّا استبعاد المحرقة فلا يلغي عذابات مهولة قد يعانيها اللاجئون والمهاجرون والمهمّشون والأقلّيّات الإيروسيّة، فضلاً عن انتكاسات تشريعيّة تطاول المرأة وقضايا الاختلاف تكون المحكمة العليا في أميركا رافعتها وحاملتها. ودائماً ستتغذّى الوجهة هذه على رفض مبدأ «حقوق الإنسان»، بل على رفض وجود «الإنسان» نفسه بوصفه قيمة كونيّة عابرة للانتماءات والهويّات الجزئيّة.

وما من شكّ في أنّ جوّاً لاعقلانيّاً سينتعش حاولت اللغة أن تواكبه بتعبير «ما بعد الحقيقة» المستجدّ. بيد أنّ وسائط التواصل الاجتماعيّ، التي اضطلعت بدور سلبيّ كثر تناوله مؤخّراً، قابلة أيضاً أن تضطلع بدور رقابيّ وفاضح لم يكن متاحاً من قبل.

لكنْ من دون أن يقع المرء في التقليل من الأخطار والمصاعب التي تداهم عالمنا، تبعاً للصعود الشعبويّ هذا، يُرجّح أن لا ترتسم الثورات والحروب أفقاً للتغيير، بل أن يأتي الأمر، إذا أتى، نتيجة لمقاومات ديموقراطيّة ومدنيّة لا يملك أصحابها إلاّ أن يقاوموا.

arabstoday

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 06:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

... عن «الاسم» والكفاءة في مواجهة إسرائيل

GMT 09:00 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

GMT 04:38 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الحرب على غزّة بين دوري الداخل والخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن ترامب وبقية شعبويّي الغرب عن ترامب وبقية شعبويّي الغرب



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab