عن أولئك المستوطنين الدينيّين

... عن أولئك المستوطنين الدينيّين!

... عن أولئك المستوطنين الدينيّين!

 العرب اليوم -

 عن أولئك المستوطنين الدينيّين

بقلم:حازم صاغية

ليس كلّ المستوطنين في الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة من المؤمنين. فهناك أيضاً المستوطنون الوظيفيّون، بالباحثين منهم عن إيجارات منخفضة للمنازل، ومُحبّي العيش في الطبيعة، والمتخفّفين من أعباء العالم، والساعين وراء شروط يرونها مثلى لتربية أبنائهم...، وهؤلاء يشاطرون المؤمنين سرقة الأرض وقهر الفلسطينيّين.

مع هذا، فالمؤمنون منهم يملكون «القضيّة» التي لا يملكها الأوّلون ممّن تحرّكهم أنانيّة سينيكيّة عديمة الأخلاق، وإن كانت نتائج أفعالهم لا تقلّ فداحة عن نتائج الأفعال التي يقدم عليها الدينيّون.

فالأخيرون يخوضون في الضفّة حرباً أخرى. وهي، وإن استظلّت بالحرب على غزّة، وباتت تستمدّ منها ما يؤجّجها، تحتفظ لنفسها بعناصر تستقلّ بها. ذاك أنّها بالأصل سابقة زمناً على حرب غزّة، كما تستقي مبرّرها شبه الوحيد من مقدّمات دينيّة مُلزمة.

وإلى هذا لا تشكّل السياسة أيّاً من اعتبارات الحرب الدينيّة، فهي غير معنيّة بانعكاس الاستيطان على علاقات إسرائيل بداعميها الغربيّين، أو على صورتها في عالمٍ بات يُراد لصوره أن تنسجم مع رفض الاستيطان، وغير معنيّة كذلك بانعكاس أفعالها على موقع دولتها في الشرق الأوسط، وعلى بناء السلام أو هدم كلّ سلام مع دوله. وإذا كان الاستيطان الصهيونيّ القديم محكوماً بإقامة الدولة، فالدولة، وفق الاستيطان الراهن، ينبغي أن تكون هي المحكومة بحماية الاستيطان. أمّا أن تختلط، بنتيجة التهجير، أوراق الخرائط في المنطقة انطلاقاً من الأردن، مع ما ينطوي عليه ذلك من حمولة دمويّة، فهذا لا يندرج في حسابات المستوطنين. وهم غير معنيّين حتّى بانفجار في الضفّة لا تتوفّر قوات إسرائيليّة كافية للتعامل معه. أمّا أحداث كعمليّة جسر أللنبي، التي استُنفرت لها أعصاب العالم، فتدخل عندهم في العاديّات، تماماً كعاديّة أنْ يتعرّض قادتهم وناشطوهم لعقوبات دوليّة.

هكذا فالعُته، أو الخبَل، الذي كثيراً ما يوصف به المستوطنون الدينيّون، لا يقتصر على حمل معتقدات بالية مصدرها الغيب، بل يشمل التعامل مع العالم المعاصر كما لو أنّه لم يصر ما صاره. ذاك أنّ الصحيح والصائب، في عرفهم، هو بالضبط ما لم يُتَح له أن يحصل، وليس ما حصل. أمّا الحرب فتغدو قياميّة، لا تضع أوزارها إلاّ في الفناء والعدم. فهي تجمع قواها من وراء ظهر التاريخ، ما يُجيز إطلاق النعت الذي كثيراً ما يُطلق على المستوطنين، أي الأسراب والقطعان التي تمثّل شطراً من الطبيعة الأولى مَنسيّاً في الحضارة المعاصرة. وما يزكّي «غرابتهم» وضعهم الملتبس بمعايير الدول والحدود. فهم مواطنون إسرائيليّون يعيشون في الضفّة الغربيّة التي يُفترض أنّها ليست إسرائيليّة، إلاّ أنّها، مع هذا، «خطّ أخضر» لوقف إطلاق النار وليست حدوداً دوليّة.

لكنّ المفارقة أنّ خروج المستوطنين عمّا يُفترض أنّه دولتيّ وسياسيّ ومحسوب ديبلوماسيّاً محميٌّ بالدولة الإسرائيليّة، وإن تظاهرت أحياناً بامتعاض حيالهم. ففضلاً عن تمثيلهم في الحكومة الحاليّة بالوزيرين بن غفير وسموتريتش، فإنّ الجيش يمدّهم بالسلاح، وتُمنح لهم تراخيص البناء كما يُغضّ النظر عن انتهاكاتهم.

وهنا يظهر الفضائحيّ في سلوك الدولة، بل الفضائحيّ في أحد مصادر الصهيونيّة ذاتها. فممّا يفعله المستوطنون أنّهم يعيدون إلى الأذهان ما يُستحسن نسيانه، من أنّ المشروع الصهيونيّ الأصليّ بدأ استيطانيّاً. لكنْ بينما لم يكن الاستيطان القديم مَرعيّاً بدولة، رغم التعاطف البريطانيّ الجزئيّ والمشروط، فالاستيطان الحاليّ يحظى بالرعاية هذه. وعلى عكس حركات الاستيطان والتوسّع القديمة في سائر العالم، والتي خاطبت الآخر ولو كذباً، فكان مثلاً ما سمّته قصيدة كيبلنغ «عبء الرجل الأبيض»، فإنّ هذا الاستيطان مونولوغ بحت. أمّا «الانتساب الإسرائيليّ إلى الغرب الديمقراطيّ» ففضيحته كامنة أيضاً في هذا الاستيطان، بما يتعدّى نهب الأرض وامتهان السكّان. ذاك أنّ الصهيونيّة جهدت في برهان أولويّة القوميّ على الدينيّ يوم كانت القوميّة واحداً من المفاهيم الصاعدة، وهاهم المستوطنون يقولون العكس، ويذكّروننا بأنّ مؤمنين مثلهم من روسيا هم الذين حسموا في جعل فلسطين، لا الأرجنتين أو أوغندا، المكان المرشّح للدولة المرتجاة.

وقد تفيد الإشارة إلى أنّ نتنياهو والتقليد الجابوتنسكيّ يشغلان موقعاً وسيطاً بين الصهيونيّة العلمانيّة والدينيّين، ليس لأنّهما دينيّان، وهما ليسا كذلك، بل لأنّهما أصوليّان سياسيّان وقوميّان، يعيدان الصراع إلى جذور تكوينيّة مفترضة أفقُها العنف المحض.

فهم، إذاً، الروح الخفيّة للصهيونيّة، تستلحقها وتكمّلها، بما يجعل الماضي شيئاً لا يمضي. وبوقاحة لا يملكها إلاّ الثوريّون، تتحوّل معهم سرقة الأرض التي يُفترض أنّها عيب وجريمة إلى أمر إلهيّ.

وهذه الظاهرة التي وُلدت بُعيد حرب 1967 من جمجمة صدئة، ولّدت مجتمعاً راح يكبر مع كلّ حرب ويكبر ما فيه من صدأ. ذاك أنّ تربيتها تعهّدها مُحبّو الحروب وكارهو السياسة الذين يشاطرونها خرافاتها وإن على نحو مقلوب. وبين هؤلاء مَن قالوا لنا بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023: هلّموا إلى تحرير فلسطين، فيما يحذّروننا اليوم من تهجير أهل الضفّة!

 

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن أولئك المستوطنين الدينيّين  عن أولئك المستوطنين الدينيّين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab