فكرة سوريا من الوحدة إلى الحرّيّة

فكرة سوريا من الوحدة إلى الحرّيّة

فكرة سوريا من الوحدة إلى الحرّيّة

 العرب اليوم -

فكرة سوريا من الوحدة إلى الحرّيّة

بقلم - حازم صاغية

ارتبطت سوريا تاريخيّاً بفكرة الوحدة مثلما ارتبطت الجزائر بفكرة الثورة، وفلسطين بفكرة المقاومة، ولبنان بفكرة الحرّيّة. الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلّه نُسب إليه أنّه قال، حين زار دمشق للمرّة الأولى وراح مُستقبلوه السوريّون يهتفون: «وحدة، وحدة»: إنّ هذا البلد مُصاب بالوحدة.
سوريا، في شكلها الظاهري الراهن، نتاج وحدة الدول التي أنشأها الانتداب الفرنسيّ. الوعي السياسي لمثقّفيها القوميين الكثيرين في القرن الماضي دار حول الوحدة. بعض نقّادهم اعتبروا ذلك تكبيراً لسوريا بـ«إعادة» لبنان والأردن وفلسطين إليها. الوحدة مع العراق كانت موضوعاً حارقاً في سوريا الخمسينات. في أواخر ذاك العقد، ذوّبت سوريا نفسها في دولة الوحدة الأكبر التي جمعتها بمصر.
مركزيّة الوحدة هذه جعلت تلك البلاد مُخيفة لجوارها الذي تُرعبه الوحدة، ولدول كبرى ظنّت أنّ العالم استقرّ على الشكل الراهن للدول. تلك المركزيّة هي أيضاً ما أكسب دمشق لقب «قلب العروبة النابض» عند عشّاق الوحدة. الابتلاء بحكم البعث في 1963 كان مبرّره أنّه ردّ على انفصال 1961 واستعادة للوحدة. تلك الاستعادة لم تتحقّق بالطبع، لكنّ ما يترتّب عادة على الدعوات القوميّة من جيوش وأجهزة أمن هو الذي تحقّق. بعد حين، ابتلع الوليد العسكري – الأمني والدَه الوحدوي ومضى في سبيله بلا حاجة إلى عقائد وعقائديين.
اليوم انفصلت سوريا تماماً عن فكرتها هذه. التلوّث والرثاثة قضما تلك الفكرة بالكامل: «قلب العروبة النابض» صار ينبض كبتاغون وأشياء من هذا القبيل. نظام الأسد، ببطشه الاستثنائيّ، جعل البلاد نفسها بحاجة إلى وحدة تلمّ مناطق النفوذ الكثيرة وتستعيد الملايين من سكّانها المبعثرين فيها والمشتّتين في أرجاء المعمورة.

 

لكنّ أفكاراً جديدة بدأت تلتصق بالسوريين أعادت تذكيرَنا بها الحرب الروسيّة على أوكرانيا، والتذكيرُ جاء مزدوجاً: الذين تذكّروا النظام وفكرة الوحدة القديمة شبّهوا علاقة روسيا وأوكرانيا بعلاقة سوريا ولبنان. أمّا الذين تذكّروا الشعب وحقبة ما بعد الوحدة، فصدمهم الألم والأرض المحروقة والمدن المدمّرة والأسلحة المستَخدَمة مما يجمع بين السوريين والأوكرانيين.
فالسوريّة الجديدة تعني مواجهة الظلم الخارق بنتيجة التجرّؤ على نظام رهيب، كما تعني اكتشاف العالم وممكناته بعد عزلة مُحكمة ومديدة في ظلّ نظام الأمن وفكرة الوحدة. لقد أنجبت تجربة اللجوء القاسية والكثيفة معاناة التعرّض للهواء بعد انكسار القمقم، معاناة التجربة والخطأ والتفاعل مع قيم وعلاقات مُنع عنها السوريّون عشرات السنين: من التعرّف على الحقّ والقانون إلى مساواة الجنسين وحرّيّات التعبير والتنقّل... وفي بلدان اللجوء الكثيرة، احتلّت فكرة سوريا الجديدة موقعها المناهض للتعصّبات القوميّة والشعبويّة كما مثّل السوريّون ضحايا تلك التعصّبات، وهذا ضدّاً على ما كانت توحيه لسواها سوريّا القديمة، سوريّا فكرة الوحدة.
والسوريّة، أيضاً وأيضاً، غدت صخرة كبيرة ألقيت في بركة الركود المتطاول لمنطقتنا، صخرة ترعب المتسلّطين بعدما كانت ترعب الشعوب، وتطمئن مَن يريد من الشعوب المجاورة إلى احتمالات مستقبل آخر، بعدما كانت لا تطمئن إلا المتسلّطين عليهم.
بيد أنّ فكرة سوريّا الجديدة تنمو مسكونة بالمرارات. ففضلاً على قسوة النظام وقسوة التشرّد، لا يزال الإجماع حول فكرة سوريا الجديدة ضعيفاً بين السوريين. أمّا استقبال العالم لمأساتهم فتراوح ويتراوح بين فاتر وبارد، أو بين سينيكيّ وعاجز، وفي الحالات كافّة أطلّ العالم على حلب من شرفة كييف. كذلك لا يزال الجوار المأزوم هو الآخر كثير الاستحضار لسوريا الوحدة فيما هو يتعامل مع الصورة الناشئة لسوريا الحرّيّة. بعض اللبنانيين مثلاً ما زالوا عاجزين عن الفصل بين صورة السوري الجديد وصورة رجل الأمن القديم. هكذا تراهم يختارون سلوكاً من اثنين: إمّا القسوة على السوري انتقاماً من رجل أمنه الرهيب، وإمّا التماهي مع رجل أمنه بوصفه، في الذاكرة اللبنانيّة، كائناً مرهوباً. بعض الفلسطينيين آثروا تجميد سوريّا في فكرة الوحدة وتنصّلوا من ردّ الدَّين الكبير للسوريين الذين هاموا طويلاً بتحرير فلسطين.
ويبقى في رأس المرارات استحالة الجمع بين الوطن ومخاض الحرّيّة: فإمّا الحرّيّة وبلورة الفكرة الجديدة لسوريّا خارجها، وإمّا الوطن حيث تداس الحرّيّة.
من غير شكّ سيكون صعباً جدّاً التكهّن بالمصير الذي تنتهي إليه عمليّة التحوّل هذه. فأن تتبلور فكرةٌ خارج وطنها، بعد كارثة مطنطنة، فهذا ما تلازمه، بالضرورة، صراعات وتمزّقات ومآسٍ كثيرة. لكنّ المؤكّد أنّ المضي في عمليّة التغيير يستدعي عمليّة تغيّر موازية تصحبها مراجعات جذريّة ومؤلمة هي الأخرى، تطول رواية التاريخ والقيم التي نشأت في زمن الحجْر والقمقم. وهي مراجعات يتصدّرها، لا بدّ، تصفية الحساب نهائيّاً مع فكرة سوريّا الوحدة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فكرة سوريا من الوحدة إلى الحرّيّة فكرة سوريا من الوحدة إلى الحرّيّة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab