ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم

ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم

ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم

 العرب اليوم -

ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم

بقلم - حازم صاغية

ما إن أُعلن عن تمرّد يفغني بريغوجين حتّى ضرب التذكّر والتذكير أفراداً بعضُهم كتّاب وبعضهم غير كتّاب، ومنهم من عبّر من خلال التواصل الاجتماعيّ ومنهم مَن فعل في الصحف. هؤلاء وجدوا في ذاكرتهم أسماء عرب كثيرين يشبهون بريغوجين. لسان حالهم كان يقول: لدينا كثيرون من هذا الصنف ومن هذا النزاع داخل النظام نفسه.

لقد كان سهلاً تذكّر حميدتي في السودان لأنّ نزاعه مع عبد الفتّاح البرهان طازج، وبمعنى ما متزامن مع نزاع بوتين وبريغوجين. والسودان عرف قبلاً محاولة هاشم العطا الانقلابيّة في 1971 على شريكه في مجلس الثورة جعفر نميري، ثمّ إعدامه وتصفية الحزب الشيوعيّ معه. وفي 1985 انقضّ قائد الجيش عبد الرحمن سوار الذهب على نميري وأطاحه وتفرّد بكونه العسكريّ الذي أعاد الحكم إلى المدنيّين. وقد يجوز أن ندرج في الخانة ذاتها إطاحة جمال عبد الناصر لمحمّد نجيب في 1954، وإطاحة هواري بومدين لأحمد بن بلّه في 1965، وما وُصف بمؤامرة الضابطين آدم حوّاز وموسى أحمد، وزيري الداخليّة والدفاع الليبيّين، أواخر 1969، على رفيقهما معمّر القذّافي. والقائمة تطول ويتوزّع رموزها ما بين متآمرين ناجحين على إخوتهم ومتآمرين فاشلين.

في مصر يمكن أيضاً التذكير بعبد الحكيم عامر، قائد جيش جمال عبد الناصر وصديقه الأقرب. لقد قيل أنّ عامر تآمر على ناصر فكانت هزيمة 67 المؤكّدة وكان انتحار عامر المشكوك فيه. وفي العراق، يمكن الرجوع إلى ما بعد انقلاب الشريكين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، حيث أطاح أوّلهما الثاني بعدما اتّهمه بالعمل على إطاحته. والعراق سخيّ بالأسماء التي لا بدّ من الاكتفاء بأهمّها: في 1965 حاول عارف عبد الرزّاق، ناصريّ الحدّ الأقصى، إطاحة عبد السلام عارف، ناصريّ الحدّ الأدنى، وفي 1973 اتُّهم مدير الأمن العامّ ناظم كزار بمؤامرة انقلابيّة فشلت وأعدم بعدها، ثمّ في مطلع 1996 قيل أنّ العشيرة نفّذت حكم الموت بصهري صدّام حسين، حسين كامل المجيد وشقيقه صدّام اللذين فرّا إلى الأردن واتُّهما بالتآمر. قبلذاك، في 1989، ظهر من يشكّك بقصّة تحطّم الطائرة بعدنان خير الله، وزير الدفاع وابن خال صدّام. والقائمة أطول في سوريّا، ولربّما جاز اعتبار المؤسّس سامي الحنّاوي الذي انقلب في 1949 على صديقه حسني الزعيم، لينقلب عليه، في 1950، صديقه أديب الشيشكلي. وفي 1961 قاد الانقلاب على «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» عبد الكريم النحلاوي، أحد أقرب الضبّاط السوريّين إلى عبد الحكيم عامر. لكنْ مع البعث تحوّلت الهواية إلى احتراف. فمن داخل «النظام الوحدويّ» حاول الضابط الناصريّ جاسم علوان إطاحة الضبّاط البعثيّين صيف 1963 ولم يوفّق. وفي 1966 انقلب البعثيّان صلاح جديد وحافظ الأسد على البعثيّ أمين الحافظ، وبعد أربع سنوات انقلب الأسد على جديد. لكنْ في هذه الغضون، حاول البعثيّ سليم حاطوم اعتقال جديد ورفيقاً آخر هو رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي، وإذ فشلت محاولته فرّ إلى الأردن ليعود إلى سوريّا مع حرب 1967 واصفاً الهدف من عودته بالمشاركة في قتال إسرائيل. لكنّ رفاقه أعدموه بحجّة أنّه عاد حاملاً مشروعاً انقلابيّاً. وفي سياق الصراع بين الأسد وجديد، قيل أنّ عبد الكريم الجندي، أحد أركان جديد، قد انتحر، هو الذي كان يتولى «مكتب الأمن القوميّ».

ولم يكن بيت الأسد أشدّ وئاماً وعائليّة من بيت صدّام، إذ نُسبت إلى رفعت، شقيق حافظ، محاولة انقلابيّة في 1984 أدّت إلى نفيه مُكرّماً وثريّاً إلى الخارج. ثمّ حامت شكوك كثيرة في 2012 حول الميتة الغامضة للصهر آصف شوكت...

وهذه ليست خصوصيّة عربيّة كما قد يتراءى: ففي 1973 انقلب جنرالات اليونان بقيادة ديميتريوس إيونّيديس على حكم الكولونيلات الذين انقلبوا وحكموا منذ 1967 بقيادة جورج بابادوبولوس. ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، قُتل في 1971 لين بياو، «رفيق ماو في السلاح» ووزير دفاعه، بانفجار طائرة كانت تقلّه إلى منغوليا بعد محاولة انقلابيّة نُسبت إليه.

وأبرز القواسم المشتركة في هذا السجلّ الرهيب دور العسكريّين ورجال الأمن بوصفهم أبطال الشرّ، والسرّيّة واستحالة المعرفة الدقيقة، وما إذا كان المتّهَم قد نفّذ فعلاً ما اتُّهم به، وإبقاء المواطنين في العتم: فهم لا يشاركون في هذا المسرح، لكنّهم، فوق ذلك، لا يعرفون شيئاً عن المسرحيّة. وهذا جميعاً من نتائج تكوين سياسيّ تكون فيه الدولة دولة فرد أو حزب أو عائلة، لا كياناً مجرّداً ودستوريّاً يعلو على الفرد والحزب والعائلة. لهذا فمن يقف على رأس دولة كهذه ويوصف بالقوّة، كما وُصف طويلاً بوتين، لا يمكن إلاّ أن يكون ضعيفاً أُجّل إعلان ضعفه وانكشافه.

يصحّ في هذا ما يصحّ في الجبل الذي نظنّه جبلاً واحداً حين ننظر إلى قمّته، لكنّنا متى نظرنا إلى السفح وصعدنا بأبصارنا، تكشّف لنا عن هضاب كثيرة وألوان متعدّدة وأشكال متباينة من الصخر والينابيع وربّما من الشجر.

إنّ النظر من سفح الجبل يُرينا حقيقة القوّة على نحو أفضل.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab