في أنّ الخارج أشدّ احتمالاً من الداخل

في أنّ الخارج أشدّ احتمالاً من الداخل

في أنّ الخارج أشدّ احتمالاً من الداخل

 العرب اليوم -

في أنّ الخارج أشدّ احتمالاً من الداخل

بقلم - حازم صاغية

في لبنان اليوم سجال، أكثره ضمنيّ وأقلّه معلن، بين قائلين إنّ الحلّ لن يأتي إلاّ من الداخل، وقائلين إنّه لا يأتي، إذا أتى، إلاّ من الخارج. الأوّلون أعينهم على الانتخابات النيابيّة التي قد تُجرى في مايو (أيّار) المقبل. الأخيرون يبنون آمالهم الضعيفة على نضوب هذا الداخل.
وذات مرّة كان السياسيّ والصحافيّ الراحل غسّان تويني قد أطلق عبارة صارت أشبه بشعار: «حروب الآخرين على أرضنا». والحال أنّ هذه العبارة التي تنتسب، عبر طريق التفافيّة، إلى سجال الداخل والخارج، لا تصمد أمام أيّ تدقيق أو امتحان جدّيّ.
فحروب اللبنانيّين خاضها لبنانيّون ضدّ لبنانيّين. صحيح أنّ غيرهم شاركوهم القتال، إلاّ أنّهم هم شكّلوا أكثريّة المقاتلين، وهم أعطوا لقتالهم عناوين لبنانيّة إلى جانب العناوين غير اللبنانيّة. فوق هذا، كانت هناك دائماً مسائل محلّيّة تلازم القتال الذي يخوضونه، بعضها يتّصل بالعدالة الاجتماعيّة وبعضها بالعدالة الطائفيّة...
لكنّ خطأ هذه العبارة – الشعار لا يلغي الفارق، ولو من حيث المبدأ، بين قتال لبنانيّ – لبنانيّ لم يتدخّل فيه الآخرون، وقتال تدخّلوا فيه. في الحالة الأولى، تكون الأكلاف البشريّة والاقتصاديّة أقلّ، كما يكون زمن الحرب أقصر، واحتمال الحلّ أعلى وأسرع.
يمكن تطبيق هذا المبدأ على جميع الأحداث الخلافيّة الكبرى التي عرفها البلد في تاريخه الحديث:
في 1952، وفي الخلاف حول عهد بشارة الخوري، اتّخذ النزاع شكلاً سياسيّاً بحتاً بين طرفين لبنانيّين. النزاع حُسم عبر ما سُمّي يومذاك «الثورة البيضاء»، وهي فعلاً تمكّنت من إزاحة الرئيس المذكور من دون إهراق نقطة دم.
في 1958، تداخلَ الخلاف اللبنانيّ – اللبنانيّ حول عهد كميل شمعون ودور «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» بعد أشهر قليلة على قيامها بنتيجة الوحدة المصريّة – السوريّة. النزاع كلّف عشرات القتلى واستمرّ بضعة أشهر. الحلّ جاء مَرعيّاً بتسوية أميركيّة – مصريّة مهّد لها التدخّل العسكريّ الأميركيّ في لبنان ردّاً على تدخّل «العربيّة المتّحدة». ربط الداخل بالخارج بدا محدوداً ومضبوطاً.
في 1975، اختلف الأمر بفعل عوامل ثلاثة على الأقلّ:
- ما هو لبنانيّ في النزاع أُلحق بما كان يُسمّى يومذاك «صراع الشرق الأوسط»، من الافتراق المصريّ – السوريّ بعد حرب تشرين/ أكتوبر 1973، إلى مبادرة أنور السادات في 1977، وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيليّ عام 1982.
- كانت منظّمة التحرير الفلسطينيّة الطرف المقرّر في الحرب سياسةً وتسليحاً، قبل أن يتعاظم الدور السوريّ منذ 1977، مرّةً بالصراع مع منظّمة التحرير ومرّة أخرى بالشراكة معها.
- كانت الأطراف المتدخّلة في الحرب، مباشرةً أو مداورة، كثيرة ومتكارهة، وكانت غالباً ما تسعى إلى تسوية نزاعاتها على أرض لبنان. العلاقات المسمومة السوريّة – الفلسطينيّة والسوريّة – العراقيّة والليبيّة – المصريّة إلخ... كلّها تجمّعت في بيروت.
في 1982، وبالاستفادة من المرحلة السابقة، استكمل الخارجيّ انتصاره على الداخليّ: الأوّل قويّ ومسلّح منحته الحرب العراقيّة – الإيرانيّة زخمه، كما منحه التحالف السوريّ – الإيرانيّ طريقه إلى لبنان. الثاني، في المقابل، هزيل، حطّمته الحرب والاحتلالات الإسرائيليّة والسوريّة ثمّ الحروب الداخليّة في العاصمة والضاحية والجبل. هكذا بُدّد ما تبقّى من إجماعات وطنيّة، وقُضي على احتمال استعادة سلطة مركزيّة ذات جيش قادر.
ولادة «حزب الله» قدّمت إسهاماً نوعيّاً لهذا المسار: لقد أعطت الخارج الإيرانيّ قوّته وغطاءه الداخليّين غير المسبوقين حجماً وفاعليّة. هكذا تمّ ابتلاع الموضوع اللبنانيّ وإلحاقه بصورة كاملة. الخارج صار هو الداخل. الداخل صار هو الخارج.
في هذه الغضون جرت محاولتان لاستنهاض الداخل، أو لإعادة اختراعه. 14 مارس (آذار) 2005 كانت الأولى. 17 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2019 الثانية. الاثنتان فشلتا لأسباب ذاتيّة وموضوعيّة كثُر التطرّق إليها.
إذا راجعنا هذا المسار منذ 1952 لاحظنا طابعه التصاعديّ في ما خصّ الخارجيّ، وضموره المتنامي في ما خصّ الداخليّ. عوامل عدّة خدمت الوجهة هذه: الحرب الباردة انتهت مخلّفةً فلتاناً كونيّاً ليس من ضابط له، والهويّات انفجرت على نطاق عالميّ، ثمّ باشرت الولايات المتّحدة، بعد حرب العراق في 2003، الانسحاب من المنطقة. وإذ أخفقت ثورات «الربيع العربيّ» ووعودها السخيّة، ترسّخت الدولة الإيرانيّة بوصفها واحدة من أعتى قلاع الهويّة ذات الوقود الشعبويّ – القوميّ في عالمنا المعاصر. إلى ذلك بات العالم أشدّ تداخلاً، وأشدّ تدخّلاً، ولم يعد لبنان قرية كبيرة كما كان في 1952، قريةً همومها خاصّة بها لا تعني سواها.
هل يمكن، والحال هذه، الرهان على داخل مجفّف تغيّره انتخابات نيابيّة لم تغيّر شيئاً من قبل؟
السؤال هذا لا ينطوي على جواب قطعيّ لمصلحة التعويل على الخارج. إنّه فقط يؤشّر إلى الوجهة الأغلب. أمّا أن يكون ما يأتي من الخارج حلاًّ، في ظلّ هذا العدم الداخليّ، فتلك مسألة أخرى.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في أنّ الخارج أشدّ احتمالاً من الداخل في أنّ الخارج أشدّ احتمالاً من الداخل



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
 العرب اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة  بالروسي

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين

GMT 08:54 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد هنيدي يكشف مصير مشاركته في رمضان

GMT 23:13 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.5 درجة على مقياس ريختر يضرب مدينة "ريز" في إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab