عن حرب يصعب أن يربحها أحد ربحاً مطلقاً

عن حرب يصعب أن يربحها أحد ربحاً مطلقاً

عن حرب يصعب أن يربحها أحد ربحاً مطلقاً

 العرب اليوم -

عن حرب يصعب أن يربحها أحد ربحاً مطلقاً

بقلم - حازم صاغية

«أميركا وحيدة»: هكذا عنونت هذه الجريدة ما حدث في مجلس الأمن مؤخّراً. وبالفعل كانت أميركا وحيدة حين شهرت الفيتو، لم يؤازرها أحد في العالم. حتّى بريطانيا اكتفت بالامتناع عن التصويت، فيما خالفتها فرنسا.

النتيجة البائسة هذه تقول إنّ الحرب الإسرائيليّة لا يمكن أن تُكسب إلاّ بالقوّة، وبالقوّة وحدها لا تُكسب الحروب كسباً مطلقاً. فهي بالصفة هذه تكون أشبه بتفوّق الوحش على البشر وتفوّق العضل على ما عداه. وهذا ليس استهانة بالقوّة، إلاّ أنّه تنويه بمحدوديّتها الإقناعيّة والقيميّة وبعجزها عن كسب الحلفاء، ما يؤدّي في آخر المطاف إلى اقتصارها على ذاتها، وظهور صاحبها بمظهر المكروه المتجبّر والمتعجرف.

وكيف تكون الحال غير ذلك حين ينفلت القتل الإسرائيليّ المجنون، مصحوباً باللامبالاة بأيّ رأي عامّ، وباحتقار بيّن لإنسانيّة البشر وتقييم حياتهم على نحو بالغ التفاوت والتمييز، ناهيك عن طوفان من الأكاذيب لا ينضب؟

هكذا يبدو الإسرائيليّون اليوم وحدهم، ومن ذا الذي يتجرّأ على محالفتهم في مشروع همجيّ كهذا، أبرز صُوَره قتل الأطفال وتشريد السكّان وتدمير المنازل، حتّى لو أراد ذلك؟

لكنّ نضوب التحالفات يتغذّى على عوامل أخرى تدلّ إليها التظاهرات في عواصم العالم وما تشهده بعض مؤسّساته التعليميّة والإعلاميّة. فإسرائيل لا ترفق حربها بأيّة سياسة أو اقتراح للحلّ، كذلك ينصبّ عليها العداء الواسع لأميركا والغرب تبعاً لتماهيها معهما، وبدورها فذاكرة الهولوكوست في تراجع وتقادُم خصوصاً بعد إمعان قادتها في استغلالها، وهذا بينما المزاج الجديد في العالم لم يعد يحتمل الصمت عن مآسي الشعوب، خصوصاً مأساة الفلسطينيّين، كما بات هذا المزاج مفتوناً بالضحيّة المغلوب مثلما كان قبل عقود مسحوراً بالغالب القويّ. وإلى شيوع عاطفة مناهضة للعنف ولو بقدر من الانتقائيّة، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ باتت متاحة لكلّ كلام بعدما كان الإعلام التقليديّ المملوك من مؤسّسات ثريّة يفلتر الكلام ويوجّهه. وأخيراً، ولا سيّما مع الهجرة والتحوّلات الديموغرافيّة، صار التناقض بين الديمقراطيّة وسياستها الخارجيّة عرضة للمساءلة والحساب، كما باتت مراجعة «التاريخ الكولونياليّ» واسعة الانتشار لا ينافسها إلاّ يقظة الهويّات من كلّ نوعٍ على نفسها الجزئيّة، وضمور الكونيّة التي احتوتها قيم التنوير.

لكنّ تلك العوامل حين تؤخذ كُلاًّ تبدو شبيهة باختلاط الحابل بالنابل. وهي لئن وفّرت حلفاء كثيرين للفلسطينيّين، بقي الخوف قائماً من أن يُخنق المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ وخصوصيّته بقبضة هذا العناق الكثيف والكثير. ففيما يرفض كثيرون إمكان تعايش المشروع المذكور مع الهمّ التحرّريّ للسوريّين، الذي يُفترض أنّه الأقرب والأشبه، يظهر مَن يجعلون فلسطين عنواناً للمساواة الجندريّة، وللاعتراض على اكتشاف كولومبوس لأميركا، ولرافضي النيوليبراليّة، وللساعين إلى بيئة أنظف، وللذين يريدون أسلمة العالم كما للذين يريدون إزاحة الدين عن صدر العالم. ففي هذه «الحركات الاجتماعيّة» نجد من يزعمون تصحيح التاريخ وتخطئة الجغرافيا بسبب ما شابَهُما من استعمار ومن حدود وكيانات أنشأها المستعمرون، كما نلقى من يسعى إلى ردّ المرأة إلى بيت الطاعة الذكريّ ومن يريد لها حرّيّة يقال أنّ ما يحول دونها نزعة استهلاكيّة تمتزج بقيم رجعيّة... ومثلما تختلط، من حول فلسطين، الأفكار والتصوّرات، كذلك تختلط الحدود. هكذا يُعوّل على اليمن، الذي يعيش حرباً أهليّة مصحوبة بهيمنة إيرانيّة، أن ينقذ غزّة عبر تغطيس المنطقة في حرب إقليميّة وربّما دوليّة. وإذ يعيش لبنان خوفه اليوميّ من انتقال الحرب إليه، سيكون في وسع حدث كهذا، يُفترض أنّه داعم لفلسطين، تفجير قضيّة محفوفة بالتنازع الطائفيّ تسرق بعض الضوء من قضيّتها.

ويُخشى، في آخر المطاف، أن نعيش تكراراً موسّعاً لما شهدناه من استخدام عربيّ تقليديّ لـ»القضيّة المركزيّة» بوصفها قضيّة الجميع وقضيّة لا أحد في الوقت عينه. وهذا علماً بأنّ «الجميع»، هذه المرّة، هو العالم كلّه.

والحال أنّ إشارات كثيرة تعلن صعوبة تحويل هذا الضجيج إلى سياسةٍ تعكس نفسها على القرار والمؤسّسات. فإسقاط جو بايدن مثلاً لن يوصل إلاّ دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، شرط نجاته من الملاحقات القضائيّة، وهذا فيما يؤدّي منع حزب العمّال البريطانيّ من الفوز إلى إبقاء المحافظين في الحكم، تماماً كما أنّ وراثة مارين لوبن لإيمانويل ماكرون أكثر ترجيحاً بلا قياس من وراثة ميلينشون له.

وهذا إنّما يذكّر بالملاحظات التي يُبديها بعض دارسي حركات الاعتراض على النيوليبراليّة، بعدما بات الاعتراض يفتقر إلى طبقة اجتماعيّة قويّة كالطبقة العاملة ونقاباتها، بنتيجة الثورة التقنيّة والروبوتات. هكذا غدا مَن هم خارج الإنتاج والطبقات هم الذين يتولّون تلك المهمّة التي ترتفع فيها عناوين رجعيّة وتقدّميّة وبين بين، بينما فعاليّتها العمليّة تقلّ وتتراجع.

وبدورها فالمسائل الكثيرة في المسألة الفلسطينيّة هي ما يُستحسن ضبطه واختصاره كي يبقى الصوت الفلسطينيّ الخاصّ مسموعاً أكثر، وإلاّ كانت الكثرة مصدر ضعف في حالة الفلسطينيّين تماماً كما القلّة مصدر ضعف في حالة الإسرائيليّين: أحد الطرفين معزول والآخر ضائع في الزحام. وهذا ما يجعل الانتصار الكاسح والكامل، أيّ انتصار، زعماً متعجّلاً.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن حرب يصعب أن يربحها أحد ربحاً مطلقاً عن حرب يصعب أن يربحها أحد ربحاً مطلقاً



GMT 14:28 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
 العرب اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 العرب اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 10:20 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا

GMT 01:08 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة

GMT 14:28 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 08:39 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ارتفاع أسعار النفط مع هبوط الدولار

GMT 18:03 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"

GMT 18:13 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

«باش جراح» المحروسة

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab