اليسار الغربيّ في أفقه الملبّد

اليسار الغربيّ في أفقه الملبّد

اليسار الغربيّ في أفقه الملبّد

 العرب اليوم -

اليسار الغربيّ في أفقه الملبّد

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

من أبرز عناوين الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة، إن لم يكن العنوان الأبرز، اضمحلال اليسار. هذا ما استوقف كلّ من علّق على تلك الانتخابات: فمنذ عقود وفرنسا تنقسم انتخابيّاً بين «شعبين»، «شعب اليسار» و«شعب اليمين». هذه لن تكون الحال في مواجهة نيسان المقبل. الأسماء المتصدّرة، فضلاً عن الرئيس إيمانويل ماكرون، هم الديغوليّة فاليري بيكريس واليمينيّان المتطرّفان مارين لوبن وإريك زمور.
أحوال اليسار في بلدان أوروبا الغربيّة الأخرى قد لا تكون بالرداءة نفسها. لكنّها رديئة بما يكفي، وحين لا تكون كذلك تكون محاطة بالشكوك: هل هي لا تزال يساريّة حقّاً؟ أو هذا، على الأقلّ، ما يردّده أرثوذكسيّو اليسار.
في ألمانيا، سجّل الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ مؤخّراً أعلى الأصوات لحزب واحد (25،7 بالمئة). لكنّه اضطرّ كي يؤلّف حكومته إلى ائتلاف، يرى البعض أنّه شديد التنافر، بين الخضر (14،7 بالمئة) والليبراليّين (11،5 بالمئة). إلى ذلك، ومنذ أيّام المستشار الاشتراكيّ غيرهارد شرودر على الأقلّ، تبدو يساريّة الحزب مطعوناً فيها. نقّاده يقولون: يتحدّث عن العدالة الاجتماعيّة ودولة الرفاه، لكنّه لا يعمل إلاّ للنموّ الاقتصاديّ وتوفير البيئة الملائمة للاستثمار «بحجّة» خلق العمالة.
عمّال بريطانيا، بقيادة كير ستارمر، بدأوا يقطفون ثمار إخفاقات المحافظين: في آخر استقصاء للرأي أجرته صحيفة «الأوبزرفر» حصل العمّال على 41 بالمئة مقابل 32 بالمئة للمحافظين الغارقين في متاعبهم وفي مزاجيّات قائدهم. لكنّ «حزب العمّال»، وخصوصاً منذ إزاحة جيرمي كوربن عن القيادة في 2020، موضوع يوميّ لرجم من هم على يساره.
في إسبانيا حكومة اشتراكيّة يأتلف حزبها «حزب العمّال الاشتراكيّ» مع «باديموس» الذي يقف على يساره. لكنّ أوضاع إسبانيا البالغة السوء اقتصاديّاً (وإن لعبت كورونا دوراً أساسيّاً في ذلك) لا توحي بالتفاؤل في ما خصّ مستقبل الاشتراكيّين الذين سيُحمّلون مسؤوليّة التردّي. لا يغيب عن البال أنّ حزب «صوت» (Vox) اليمينيّ المتطرّف بات الحزب الثالث في البلاد.

 

في اليونان، يكاد يتبخّر حزب «بازوك» الاشتراكيّ، أمّا «سيريزا» فبات تركيزه على المسائل الاجتماعيّة والثقافيّة وقضايا الجندر والنسويّة والاندماج في أوروبا يفوق كثيراً تركيزه على الشأن الاقتصاديّ والمطلبيّ.
ما الذي حلّ بيسار ارتبط تقليديّاً بالطبقة العاملة، وهذا علماً بأنّ التفاوتات الاقتصاديّة لم تكن مرّة كما هي اليوم؟ الدهشة تتعاظم حين نتذكّر أنّ أزمة 2008 الماليّة، ومن بعدها الآثار الاقتصاديّة لكورونا، لم توفّر أيّ دعم لأحزاب اليسار ولأطروحاتها.
واقع الحال أنّنا بتنا أمام مكتبة في تفسير هذه الظاهرة المتدحرجة، وغالباً ما تؤكّد التحليلات، التي تعتمد هذه الأسطر على بعضها، على تغيّر معنى الطبقة العاملة التي تنهض عليها تقليديّاً أحزاب اليسار. هنا أصل الظاهرة.
فالعمل المأجور والافتقار إلى ملكيّة وسائل الإنتاج ما عادا يغطّيان الخريطة الاجتماعيّة: فحتى الثمانينات كان العمّال اليدويّون، «ذوو الياقات الزرقاء»، يشكّلون أكثريّة العمّال في أوروبا. اليوم اختلف الأمر: تضاعفت نسبة ذوي المهارات والجامعيّين فيما انخفضت نسبة العاملين في المعامل الصغرى أو ذوي العمل الآليّ في المصانع. الأكثريّة الجديدة من «العمّال» مهنيّون ذهبوا إلى الجامعات وعملوا ويعملون في مكاتب. ذاك أن الصناعات التقليديّة في معظمها، وبفعل التفريع (Outsourcing) غادرت أوروبا إلى الصين وبلدان آسيا، فيما المصانع الجديدة لم تعد تشبه سابقتها. الروبوت، بفعل الثورة التقنيّة المتواصلة، حلّ محلّ الكثيرين من العمّال السابقين، ومَن يديرون الروبوتات مهندسون وأخصّائيّون. وبدوره تراجع العمل النقابيّ، خصوصاً أنّ قابليّة هؤلاء الأخيرين للانضواء في نقابات شبه معدومة.
هذا بالطبع لا يعني انتفاء الفقر، لكنّه يعني أنّ فقراء يومنا تصحّ فيهم صفة العاطلين عن العمل أكثر ممّا تصحّ صفة العمّال. وبهذا المعنى فالسياسات التقليديّة للأحزاب اليساريّة في الدفاع عن حقوق العمل لم تعد تخاطب هؤلاء الفقراء المستبعَدين أصلاً من علاقات العمل.
بدورها كانت الولايات المتّحدة البلد السبّاق في اكتشاف هذا التغيّر في مفاهيم كمفاهيم العمّال واليسار. لماذا؟ لأنّها البلد الذي عرف مبكراً ظاهرة مستشاري الحملات الانتخابيّة الذين يستخدمون لحملاتهم، وعلى نحو موسّع، استقصاءات الرأي العام وأبحاث التسويق Marketing research
وقواعد المعلومات Databases هكذا اكتُشف مبكراً أنّ الطبقة العاملة تتغيّر، وأنّ النقابات تتقلّص، وفرص العمل المتأتّية عن الصناعة تنكمش. أمّا سياسيّاً، فالطبقة العاملة الأميركيّة سبقت غيرها من الطبقات العاملة الغربيّة في عدم التصويت للحزب الديمقراطيّ واختيار اليمين الجمهوريّ، على ما شهدنا مع رونالد ريغان. لهذا أحدث بيل كلينتون انقلابه على يسار الحزب الديمقراطيّ ثمّ حاكاه توني بلير في الانقلاب على يسار حزب العمّال، لتنشأ نظريّة أنّ «الانتخابات تُخاض في الوسط وتُكسب في الوسط». أبعد من هذا، وهو ما لم يستوعبه يساريّون قدامى كبيرني ساندرز وجيريمي كوربن، أنّ «الطبقة» كمفهوم بدأت تخلي مكانها، في التحليل الاجتماعيّ، للإثنيّة والهويّة والجماعة الثقافيّة. وهذا، في عمومه، يتركنا أمام مرحلة انتقاليّة ملبّدة، وربّما مديدة، في الأفكار والمفاهيم، كما في القوى التي ستنشأ، أو لا تنشأ، ردّاً على الأوضاع القائمة التي لا تسرّ القلب.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليسار الغربيّ في أفقه الملبّد اليسار الغربيّ في أفقه الملبّد



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد

GMT 18:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هوكستين يؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيخرج بشكل كامل من لبنان

GMT 07:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

استئناف الرحلات من مطار دمشق الدولي بعد إعادة تأهيله

GMT 10:04 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

البيت الأبيض يكتسى بالثلوج و5 ولايات أمريكية تعلن الطوارئ

GMT 08:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 06:39 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب بمصرع 53 شخصًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab