في تقليب مواقف اللبنانيّين من الحرب

في تقليب مواقف اللبنانيّين من الحرب

في تقليب مواقف اللبنانيّين من الحرب

 العرب اليوم -

في تقليب مواقف اللبنانيّين من الحرب

بقلم - حازم صاغية

 

هناك أصوات لبنانيّة متباينة حيال «التدخّل» الواجب في غزّة وحيال النكبة التي تُنزلها بها الوحشيّة الإسرائيليّة. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ على الأقلّ، تظهر مَرْوحة من الآراء يعكس بعضها خلفيّات أصحابها الطائفيّة وتجاربهم السياسيّة أو الفكريّة. فهناك مثلاً قطاع يرى أنّ ما يجري خارج حدودنا الوطنيّة لا يعنينا بالمطلق، وقطاع يعاكسه داعياً إلى الانخراط الكامل والفوريّ في الحرب الدائرة هناك، وثمّة قطاع يتجاوز تأييد غزّة إلى تأييد «حماس» لكنّه، مع هذا، لا يريد للبنان التورّط في الحرب، وبالطبع هناك فئة عريضة تريد ما «يريده السيّد» قاصدةً بذلك أمين «حزب الله» العامّ حسن نصر الله الذي يعرف وحده ما ينبغي وما لا ينبغي، وليس علينا سوى أن ننفّذ ما يعرفه.

أمّا القائلون «لا يعنينا الأمر بالمطلق» فواضحٌ أنّ تجارب النزاع الأهليّ منذ السبعينات، ومخاوف التورّط مرّة أخرى في حرب مفتوحة هي ما يدفعهم إلى ذاك الموقف. وهذا علماً بأنّ فجاجتهم في التعبير تُظهرهم ضعيفي الحساسيّة حيال الألم الإنسانيّ، فضلاً عن الخفّة في تعبير «لا يعنينا» بينما يمكن الجزم بأنّ نتائج تلك الحرب سوف تعكس نفسها على لبنان، كما على سائر المنطقة.

وبدورهم فالذين يدافعون عن الانخراط الفوريّ والمباشر لا يستوقفهم أيّ شيء يتعدّى هذا الانخراط في القتال: لا يستوقفهم تاريخ البلد ونزاعاته، ولا حاضر العلاقات بين جماعاته ومستقبلها، ولا ضعفه العسكريّ والاقتصاديّ، ولا فكرة الاحتكام إلى دولة منتخبة وسيّدة يُفترض أن ينبثق منها القرار الخطير... وبغضّ النظر عمّا إذا كان هؤلاء لبنانيّين أو مقيمين في لبنان، فإنّ لبنان لا يمثّل في حساباتهم أكثر من كونه ممرّاً إلى مقاتلة إسرائيل.

لكنّ الحجّة ذات التماسك الأضعف فهي التي يريد أصحابها ما تريده «حماس» من إزالة للدولة العبريّة وتحرير لفلسطين كلّها، لكنّهم يريدون أيضاً أن لا ينخرط لبنان في الحرب. وهذا علماً بأنّ تحقيق ما تعلنه «حماس» يستدعي دخول المنطقة كلّها، ولبنان في عدادها طبعاً، في الحرب. هذا إذا كان القائلون جدّيّين في ما يقولونه.

ما يُكسب تقليب هذه الآراء ومراجعتها مزيداً من الأهميّة كونُ «التدحرج» إلى الحرب احتمالاً جدّيّاً، أكان ذلك بقرار واعٍ أم بنتيجة العمليّات العسكريّة «المضبوطة» نفسها حين تُفلت من ضبطها، خصوصاً وأنّ الدولة معطّلة فيما القرار الأمميّ 1701 يغدو لزوم ما لا يلزم. والحال أنّ أكثريّة كبرى من اللبنانيّين ترى (وإن كانت الأقوال المعلنة لا تتقيّد دائماً بذلك) أنّها شديدة التعاطف مع المعاناة الإنسانيّة لسكّان غزّة، وشديدة الاقتناع بالضرورة الماسّة لقيام دولة فلسطينيّة، لكنّها أيضاً تعادي بشدّة أكبر أيّ انخراط في الحرب.

والرأي هذا، وإن لم يُقرّ جميعُ أصحابه بذلك، امتداد لتقليد لبنانيّ تمكّن من تجنيب البلد حربي 1967 و1973، كما تجنّب إيقاعه في حكم عسكريّ وأمنيّ، فيما وفّر للقضيّة الفلسطينيّة منبراً مهمّاً في الدفاع عنها وتقريبها من العالم الخارجيّ. والحقّ أنّ وجاهة هذا الرأي تُضاعفها المآسي التي تعاقبت على لبنان في العقدين الأخيرين فأمعنت في إفقاره كما وسّعت الفجوات التي تفصل بين جماعاته. وهذا ناهيك عن أنّ الآثار التدميريّة التي ستنجرّ عن أيّ انخراط في الحرب سوف تتفوّق، وبلا قياس، على الأذى الذي يُنزله بإسرائيل انخراط «حزب الله» في الحرب.

بيد أنّ مراجعة المواقف وتباينها مهمّة لسبب آخر يتّصل بمستقبل اللبنانيّين وبقدرتهم على استئناف عيشهم المشترك الذي تتضاءل عناصر الاشتراك فيه. وليس بلا دلالة أنّه في الجبهة التي يُفترض أنّها في صفّ المقاومة والقتال كائناً ما كان الثمن، يُظهر التواصل الاجتماعيّ حجم التشقّق المذهبيّ داخل الوحدة المزعومة. وهذا ما يتّخذ في أحوال كثيرة شكل النبش في المواضي الخلافيّة، القريب منها كالثورة والحرب السوريّتين أم البعيد كتأويل أحداث التاريخ الإسلاميّ المبكر. ولئن شكّل موقف «حزب الله» الموصوف بالغموض من الانخراط في الحرب مدخل الاشتباكات على جبهة التواصل، يُخشى تفاقُم الميل الزجريّ وفرض الرأي الواحد والتعبير الواحد على تعدّد اللبنانيّين. فتواصل الحرب الإسرائيليّة ومدى توحّشها سبب وجيه لمثل هذا الخوف المبرّر، وكذلك الحال مع انكشاف أنّ أجواء الصراع مع إسرائيل لا تكفي لتوحيد ما لا يتّحد، وغالباً ما تعمل في اتّجاه معزّز للانقسام والتوتّر. والراهن أنّ هذا الانكشاف، الذي نراه للمرّة الألف بأمّ العين، يطيح بنظريّة عزيزة على قلوب دعاة الصراع المفتوح الذي «يوحّدنا». وكلّما تبيّن أنّ «الوحدة» وهم في الواقع، زاد الخوف من فرض «الوحدة» على المجتمع، إن لم يكن على التفكير فعلى التعبير. وهذا، بدوره، عريق في تجاربنا التي غالباً ما تتحايل على المشكلات الفعليّة بإطلاق العنان للتخوين والتشهير.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في تقليب مواقف اللبنانيّين من الحرب في تقليب مواقف اللبنانيّين من الحرب



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab