نحن بوصفنا مدى إيران الحيويّ

نحن... بوصفنا مدى إيران الحيويّ

نحن... بوصفنا مدى إيران الحيويّ

 العرب اليوم -

نحن بوصفنا مدى إيران الحيويّ

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

من الفضائل القليلة لحكّام إيران أنّهم مولعون بشرح ما قد يبدو خلافيّاً أو غامضاً، وبإيضاح ما قد يبدو متضارب التأويلات.
المرشد الأعلى علي خامنئي كانت له مساهمة في هذه المجال، أدلى بها قبل أيّام قليلة. قال إنّ «الأميركيّين قرّروا شلّ دول الجوار، وهي العمق الاستراتيجيّ للجمهوريّة الإسلاميّة، قبل قرار لشنّ العدوان على إيران»، وتابع، أنّ الأميركيّين قالوا «يجب علينا أن نطيح الدول الستّ، وهي العراق وسوريّا ولبنان وليبيا والسودان والصومال قبل مهاجمة إيران (...)، لكنّ سياسة إيران نجحت في كلّ من العراق وسوريّا ولبنان؛ مما أدّى إلى هزيمة أميركا في هذه الدول».
بالطبع لم تقل أميركا ما قوّلها إيّاه خامنئي، على جاري عادة معروفة لدينا. لكنّ هذه الفريّة لا تخفّف من أهميّة كلامه الذي أثار لغطاً كثيراً وتعليقات أكثر. فنحن، أبناء الدول المذكورة، «العمق الاستراتيجيّ للجمهوريّة الإسلاميّة»، وكونُنا كذلك يملي علينا أن نردّ بصدورنا السهام التي يُفترض أنّها موجّهة إلى إيران.
أخطر ما في هذا الكلام أنّه ينشئ نظاماً من التراتُب كالذي أقامه ستالين ضمناً حين هيمن على البلدان التي باتت تُعرف بـ«الكتلة الاشتراكيّة»: هناك الدولة - الغاية، دولة الدرجة الأولى، وهناك الدول - الوسيلة، دول الدرجتين الثالثة والرابعة. هناك الدولة - القلب والرأس وهناك الدول - الحزام والخوذة.
يعزّز هذا الافتراض تاريخ من المواقف والتصريحات التي تنطلق من المقدّمة نفسها: الجنرال حسين سلامي، نائب قائد «الحرس الثوريّ» الإيرانيّ، سبق له أن قال إنّ «المسؤولين في إيران لم يكونوا يتوقّعون هذا الانتشار السريع للثورة الإسلاميّة خارج الحدود، بحيث تمتدّ من العراق إلى سوريّا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان». علي يونسي، مستشار الرئيس الإيرانيّ لشؤون الأقلّيّات، سبق أن أدلى بدلوه أيضاً، فاعتبر أنّ العراق «عاصمة لإمبراطوريّة إيران الجديدة». إسماعيل قاآني، نائب قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوريّ»، رأى هو الآخر أنّ «إيران مستمرّة في فتح بلدان المنطقة (...) بدأت بسيطرتها على كلّ من أفغانستان والعراق وسوريّا وفلسطين وتتقدّم اليوم في نفوذها في بقية البلدان». حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات السابق إبّان عهد محمود أحمدي نجاد، جزم بأنّ «إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربيّة»...
أقوال كهذه حين تصدر عن رسميّين، بمن فيهم المرشد الأعلى، توحي أنّ النظام الإيرانيّ لا يتقيّد، في لحظات الاندفاع أو الحماسة أو التوتّر، بما يُفترض أنّه «أسرار الدولة». واللحظة الراهنة، وبسبب الثورة التي لم ينجح النظام في إخمادها، هي لحظة توتّر.
لكنّ «السرّ» الذي لا تتحرّج طهران من كشفه، لا يملك إلاّ أن يذكّرنا بمفهوم «المدى الحيويّ» أو، بحسب مصدره الألمانيّ Lebensraum. التعبير لم يَسكّه هتلر، بل فريدريك راتزِل، الجغرافيّ والإثنوغرافيّ الألمانيّ الذي توفّي في 1904، حين كان هتلر في الخامسة عشرة. فعل راتزل ذلك قبل ثلاث سنوات من رحيله، في حين كان بعض الألمان، بعدما قطع بلدهم شوطاً معتبراً في ثورته الصناعيّة، مهجوسين بمنافسة بريطانيا على الأسواق والتوسّع الخارجيّ.
الفكرة التي استهوت راتزل وكثيرين غيره هي أنّ ألمانيا ينبغي أن تكون مكتفية ذاتيّاً في الأرض والموارد. أمّا الفرضيّة التي تنهض الفكرة هذه عليها فأنّنا في حالة حرب دائمة، وأن الحرب تجيز كلّ شيء. وتبعاً لتصوّر مستمدّ من الداروينيّة الاجتماعيّة، ثمّة نظام مَراتبيّ بين الدول، يُضحّى بموجبه بالأقلّ صلاحاً لخدمة الأكثر صلاحاً واستحقاقاً للحياة.
مع النازيّين، أصبح «المدى الحيويّ» عنصراً استراتيجيّاً في نظريّتهم العِرقيّة والتوسّعيّة في آن. هكذا شُبّه التمدّد شرقاً وألْمَنَة روسيا بالتمدّد الأميركيّ إلى الغرب وأمْرَكته، وكان لـ«المدى الحيويّ» هذا أن ساهم في تبرير المحرقة التي تحلّ بأعراق «طفيليّة تمتصّ دماء الأمّة الألمانيّة ولا تستحقّ الحياة».
بطبيعة الحال لسنا، مع النظام الإيرانيّ، حيال هذين الإسهاب والتماسك، ولا حيال تلك المنظومة العلمويّة في تقديمها السخيّ للمبرّرات الزائفة. لكنّنا حيال نظام مراتبيّ وحربيّ، يُهيننا ويجعلنا أداة لخدمته، كما يحوّل بلداننا ساحات وشعوبَنا مقاومات، أي أنّها تغدو وظائف لا مكان معها لبناء جماعات وطنيّة وتطوير حياة مشتركة.
ومشكلة المشاكل أنّ هذا ليس احتلالاً إيرانيّاً، بل أسوأ منه بكثير. فطهران ليست مضطرّة إلى إرسال جيشها إلى تلك البلدان؛ إذ تتوسّل التكسّر الداخليّ فيها وتستغلّ ببراعة يقظة الهويّات الصغرى وتناحرها. هكذا تجد بين سكّان البلدان المعنيّة أطرافاً كبشّار الأسد و«حزب الله» و«أنصار الله» و«الحشد الشعبيّ» ينفّذون هذه المهمّة التي تحتقرنا وتهدّدنا جميعاً، نحن وإيّاهم، بوصفنا مجرّد مدى حيويّ لإيران.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن بوصفنا مدى إيران الحيويّ نحن بوصفنا مدى إيران الحيويّ



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 07:30 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوق الأسهم السعودية تختتم الأسبوع بارتفاع قدره 25 نقطة

GMT 15:16 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

فليك يتوجه بطلب عاجل لإدارة برشلونة بسبب ليفاندوفسكي

GMT 16:08 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سحب دواء لعلاج ضغط الدم المرتفع من الصيدليات في مصر

GMT 15:21 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

لاعب برشلونة دي يونغ يُفكر في الانضمام للدوري الإنكليزي

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 14:05 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سيمون تتحدث عن علاقة مدحت صالح بشهرتها

GMT 15:51 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

غارة إسرائيلية على مستودعات ذخيرة في ريف دمشق الغربي

GMT 04:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تشيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab