بعض جوانب صورة الغرب عند العرب

بعض جوانب صورة الغرب عند العرب

بعض جوانب صورة الغرب عند العرب

 العرب اليوم -

بعض جوانب صورة الغرب عند العرب

بقلم - حازم صاغية

ليست صورة الغرب عند العرب شيئاً خارجيّاً. فهم حين يُبدون رأياً بالصين أو بأفريقيا أو بروسيا، يكون هذا الرأي خاصّاً بتلك البلدان والقارّات دون سواها، فلا يحمل بالتالي أيّ تحدٍّ لذواتهم أو أيّة محاكمة لها، كما لا ينطوي على مقارنة ضمنيّة أو على قياس يُقاس عليه.

مع الغرب الأوروبيّ والأميركيّ يختلف الأمر، فنكون عند حديثنا عنه كمن يتحدّث عن نفسه ولو مداورةً. وهذا عائد إلى سببين أساسيّين ومترابطين: أوّلهما أنّ البلدان الغربيّة سبق أن استعمرتنا أو انتُدبت علينا، بعد أن ورثت الإمبراطوريّة العثمانيّة التي انهارت قبل قرن ونيّف. أمّا بعد الاستقلالات، فاخترنا واحداً من نهجين حيال الغرب ودوله: عند القلّة، أقصى الصداقة معها، وعند الكثرة، أقصى العداوة لها. وكان للدعم الغربيّ لدولة إسرائيل (علماً بأنّ الشرق الشيوعيّ دعمها أيضاً) أن شحذ ما هو سلبيّ من المشاعر العربيّة. لكنْ في الحالتين، ظلّ الموقف يغلب التمحيص والتمييز والمتابعة.

وبدوره اتّصل السبب الثاني بموقع الغرب المركزيّ في صناعة العالم الحديث، وفي عداده بالطبع ما هو حديثٌ فينا. ومن خلال تأثيره في الحديث، فإنّه كان يؤثّر أيضاً في القديم لدينا، ممّا انتابه إحساس متوتّر يمتدّ من الاستفزاز إلى الحصار والتطويق.

هكذا ازدهر مبكراً تساؤل مثقّفينا الشهير عن تقدّم الغربيّين وتأخّرنا، وعن «سرّ» تفوّق الغرب وما إلى ذلك ممّا لم يُطرح على الصلة بالأمم والشعوب الأخرى.

لكنْ لئن شكّل الموقف من الغرب سبباً لتفاوت داخليّ ما بين المعجبين بذاك النموذج، وأحياناً بسياساته، والكارهين له ولسياساته، فإنّه استند إلى معرفة به يطغى فيها الخارجيّ طغياناً مبرماً على الداخليّ. فالاكتراث بالغرب عند كارهيه دار أساساً حول السياسة الخارجيّة، لا سيّما حيال منطقتنا. أمّا عند مُحبّيه فاقتصر على نتائج التقدّم الغربيّ وثماره وأشكاله، من دون التعامل مع أسبابه والمسارات التي رافقت بلوغ محطّاته الراهنة.

هكذا ظلّت قراءة الكتاب ومشاهدة الفيلم أو المسرحيّة عملاً جزئيّاً، وبمعنى ما مهنيّاً، نادراً ما يُربط بالتجربة الأعرض التي يتناولها الكتاب أو العمل الفنّيّ، أو ينبثقان منها.

وبات التناقض الأبرز هنا ما بين داخليّة العلاقة بالغرب وحميميّتها من جهة، وخارجيّة المعرفة به من جهة أخرى. فديناميّات تطوّره ونظامه الاقتصاديّ وتاريخ مؤسّساته وأفكاره ومنظومات العلاقة فيه بالجسد وسواها لم تحظ بما تستحقّه من اهتمام.

وهذا قبل أن تضيف دراسات الاستشراق معادلة «لا نريدهم أن يعرفونا» إلى معادلة «لا نريد أن نعرفهم».

والحال أنّ نظام القيم بتاريخه وصراعاته كان وظلّ أكبر ضحايا الجهل بالغرب الداخليّ، أو الغرب العميق إذا صحّ التعبير. فالأسباب التي فاقمت أزمة التعرّف إلى القيم كانت كثيرة، في عدادها ذاك التنافر في سلوك الدول الغربيّة بين السياسة الخارجيّة وسياسات القيم، خصوصاً إبّان الحرب الباردة.

فتلك الحقبة التي احتلّ فيها التنافُس المُرّ مع الشيوعيّة مرتبة الأولويّة هي نفسها الحقبة التي شهدت ولادة معظم الدول المستقلّة في «العالم الثالث» واختبارها للسياسة والعلاقات الدوليّة. وهذا إنّما سهّل قراءة الغرب بأعين غير غربيّة توحّد السلطات كلّها في السلطة السياسيّة، فترى مثلاً في ما يكتبه الإعلام، أو ما يقدم عليه فرد يحرق المصحف، تعبيراً عن سياسة رسميّة مُجمَع عليها.

وفضلاً عن ضعف التقليد الديمقراطيّ، فإنّ الحظّ العاثر للديمقراطيّة في ربوعنا، وهي ما ينظم عقد تلك القيم، زاد في إضعاف القيم المذكورة ذاتها. وبالنتيجة بات يبدو أنّ كلّ تراجع يصيب الديمقراطيّة في المعسكر الديمقراطيّ أشبه بجائزة لنا أو باعتراف بأنّنا مُحقّون وأنّنا قطعاً لسنا في موقع المهزوم سياسيّاً أو المتعثّر أخلاقيّاً. وفي المقابل، فإنّ النزاعات بين دول «العالم الثالث»، على كثرتها، نادراً ما كانت معنيّة بالقيم التي لم تحتلّ، هذا إذا احتلّت، سوى موقع ثانويّ أو دعائيّ.

وربّما وجدنا إذا ما توغّلنا أبعد أنّ سرديّة الوحدة العاطفيّة التي نسبغها على تاريخنا وواقعنا تغاير السمة الصراعيّة للتاريخ الغربيّ، والموقع المركزيّ الذي احتلّه التنازع على الحقوق فيه، وهما ما سبق أن وضع النساء في مواجهة الرجال، والعمّال في مواجهة أرباب العمل، والملاحدة في مواجهة المؤمنين... ولئن كان من السهل إدانة هذه الصراعيّة عند اقترانها بالشيوعيّة (والإلحاد)، فإنّ اقترانها بالرأسماليّة يجعل الخصوصيّات الحياديّة والطبائع والتربية والأخلاق مُرتَكز الإدانة وأساسها.

ولمّا كان مَن تستهويهم عندنا سياسات الغرب ومن لا تستهويهم يتّفقون على مواقف متشابهة حيال نظام القيم ذاك، فإنّهم حين يتناولونه لا يتوقّفون عند تاريخه وتاريخ الانقسام حوله داخل الغرب ذاته، مفضّلين النظر إليه كمعطى جامد ونهائيّ يُعرف به الغربيّون، معطى يعاكس المعطى الجامد والنهائيّ الذي هو نظام قيمنا.

وبالنتيجة، ومع تراكم هذه العناصر، وفي ظلّ التقلّبات السياسيّة، ومعها المطامح السلطويّة، زادت القدرة على التحكّم بصناعة الصورة، بحيث غدا المصنوع أقوى من صانعه. وعلى النحو هذا نمضي ونتمدّد...

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعض جوانب صورة الغرب عند العرب بعض جوانب صورة الغرب عند العرب



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab