من «داعش» إلى إصلاح العالم

من «داعش» إلى... إصلاح العالم

من «داعش» إلى... إصلاح العالم

 العرب اليوم -

من «داعش» إلى إصلاح العالم

حازم صاغية

لا يتبدّى العالم مكاناً غير آمن كما يتبدّى اليوم، ولا تلوح الدعوات الألفيّة والقياميّة «مبرّرة» كما تلوح راهناً. وإذا كان «داعش»، في وحشيّته كما في تمدّده وانتشاره، إشعاراً بذلك، أو اسماً كوديّاً له، فأحوال الغرب، بوصفه قائد العالم، تلحّ على أنّ التخلّص من «داعش» يتعدّى الأعمال العسكريّة ويكاد يعادل إصلاح العالم ذاته.

والحال أنّ انهيار الثنائيّة القطبيّة، الذي كانت ثمرته الكبرى انهيار التوتاليتاريّة السوفياتيّة وإمبراطوريّتها، رتّب ولا يزال يرتّب أكلافاً باهظة في عدادها أنّ العالم صار أقلّ مقروئيّة وأقلّ مفهوميّة من ذي قبل. وإذا كان من السهل تعيين مكامن الخطأ الصارخة طلباً للإصلاح، فليس بالسهولة نفسها تعيين الصواب ورسم وجهته والتكهّن بقواه أو مجرّد افتراضها.  

ففي حضن التحوّل الكونيّ الكبير الذي جسّده انطواء الثنائيّة القطبيّة، انتهى العصر الصناعيّ مفسحاً المجال لما بات كثيرون يسمّونه ما بعد الصناعة. ومن نتائج هذا التحوّل ترحيل وحدات إنتاج بكاملها إلى الخارج، ما يخلق فرص عمل في بلدان العمالة المنخفضة الأجر والقليلة الحفول بالقوانين، مقابل تقلّص في فرص العمل داخل البلدان الصناعيّة وما بعد الصناعيّة. يترافق هذا التحوّل الاقتصاديّ مع صعود الهويّات المصحوب بضمور النقابات وتحلّل الروابط الطبقيّة والمهنيّة. وانعكاس هذا التطوّر كبير في ما خصّ الأصوليّات الدينيّة الراديكاليّة والمشاعر العنصريّة وفرص الاندماج سواء بسواء.

ذاك أنّ وسائط الاندماج العقلانيّة، سكناً ومدرسةً وأحزاباً ونقابات، لم تعد متاحة في ظلّ تزايد العزل السكنيّ والتعليميّ وفي موازاة الانهيار الحزبيّ والنقابيّ. في المقابل، فإنّ الولاءات والروابط اللاعقلانيّة والهويّاتيّة التي تصدّت لملء الفراغ المتعاظم، أي الطائفة والدين والإثنيّة، ليست وسائط اندماج بل هي، تعريفاً، أسباب صدّ وانقطاع.

قريباً من هذا التطوّر، فاقمت العولمة حجم القطيعة بين وفرة الإنتاج الهائلة وسوء التوزيع الهائل أيضاً. هكذا تضخّمت الصفقات والصيرفات الماليّة التي تعبر فوق رؤوس الشعوب والأمم من دون أن يطالها أيّ اقتطاع ضريبيّ يساهم في التنمية ورأب التفاوت والصدوع داخل المجتمع المعنيّ.

يتكامل هذا كلّه مع ترهّل الشكل الديموقراطيّ السائد، وتزايد الحاجة إلى مزيد من دمقرطته، بما يضيف حيويّة باتت مفتقدةً للانتخابات التي يكثر الارفضاض عنها، وللأحزاب الديموقراطيّة التي تراجعت قابليّتها للجذب والاستقطاب.

أمّا ثقافيّاً، فلا تزال فكرة المجتمع التعدّديّ تترجّح بين فهم لها، متقدّم إنّما سيّء الحظّ، يجمع بين الاعتراف بالخصوصيّات ووحدة الدولة والمجتمع، وفهمٍ آخر يحوّلها مطيّة للتنصّل من مسؤوليّة المجتمع والدولة حيال مواطنين بعينهم يُدفعون إلى ما يشبه الغيتو الثقافيّ باسم التعدّد. وسلوك كهذا يتغذّى راهناً ممّا يعانيه نمط الاندماج القوميّ التقليديّ في أوروبا، حيث تهزّ الهويّات الإثنيّة والمناطقيّة والدينيّة وحدات، كانت ذات مرّة صلبة، في بريطانيا وبلجيكا وإيطاليا، وصولاً إلى كندا.

ولا يملك المراقب إلاّ أن يلاحظ التنصّل الغربيّ، والأميركيّ خصوصاً، من وظيفة القيادة العالميّة تطويقاً وحصاراً للنزاعات يتعدّى التدخّل العسكريّ البحت. وهو تنصّل يسهّله على البلدان الغربيّة تردّد النُخب الكثيرة في «العالم الثالث» في الجهر بهذه الرغبة تجنّباً منها لإعلان الإفلاس الذي طاول مشاريعها التحرّريّة السابقة.

فإذا أضفنا، وهذا شطرنا الكبير من المسؤوليّة، الاستبداد السياسيّ في هذه المنطقة من العالم، وعدم التصدّي للإصلاح الدينيّ والتربويّ، والتمسّك بأنظمة عقاب لا تنتج إلاّ الموتى أو الإرهابيّين، باتت قدرتنا على تخريب هذه الحضارة معادلة لقدرة هذه الحضارة على تخريبنا.

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «داعش» إلى إصلاح العالم من «داعش» إلى إصلاح العالم



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab