صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم

صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم

صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم

 العرب اليوم -
بقلم:حسام عيتاني

بعد الذهول الذي يولده جمال صور منظار جيمس ويب الفضائي، يأتي الخشوع. تُذكّر الصور التي نشرتها وكالة الفضاء الأميركية الإنسان بتواضع قدراته وعلمه، وحدود ما بلغته البشرية في رحلتها لاستكشاف الكون وسبر أسراره.

ليست هذه المرة الأولى التي تُدهش صور فضائية سكان كوكب الأرض. بل يمكن القول إن هؤلاء لم تخفت دهشتهم منذ أن نظروا للمرة الأولى إلى السماء في ليلة صافية. صورة «النقطة الزرقاء الشاحبة»، التي أقنع العالم كارل ساغان المشرفين على برنامج مسبار «فويجير» بالتقاطها للأرض من بين حلقات كوكب زُحل عند وصول المركبة الفضائية إلى مداره في 1990. أثارت ضجة كبيرة لإظهارها ضآلة كوكبنا وصغره، مقارنة باتساع الفضاء، وهذا ما رمى ساغان إليه للتأكيد على هشاشة الأرض وقابليتها للفناء إذا لم يهتم البشر بها على النحو الذي تستحق.
صورة «أعمدة التكوين»، التي بدت فيها أعمدة هائلة من الغازات والغبار على مسافة تزيد عن الستة آلاف سنة ضوئية من الأرض، أثناء ما قيل إنه انطلاق تكوين مجموعة نجمية جديدة، أدهشت العالم أيضاً في 1995 بعدما أرسلها المنظار الفضائي «هابل» إلى الأرض. وشكلت الصورة أول نظرة يلقيها البشر على عملية تكوين، رغم أنها حصلت في أزمنة سحيقة في القدم ولم تصل صورتها إلا في تسعينات القرن الماضي.
لقطات كثيرة مختلفة أرسلت من الفضاء أثارت نقاشات وتساؤلات عديدة. صور من المحطة الفضائية السوفياتية «مير» ثم من وريثتها الدولية العاملة حالياً، أوضحت للبشر ترابط الحياة في كوكبهم الصغير وحجم المخاطر التي تهدده بفعل نشاطهم المدمر. كذلك الأمر مع صورة الأرض التي التقطها رواد مركبة «أبولو» على سطح القمر. دائرة زرقاء كبيرة تتخللها اليابسة وتحوم فوقها غيوم بيضاء.
كل من هذه الصور عكس مرحلة معينة في السياسة العالمية. «النقطة الزرقاء» جاءت في الوقت الذي بدأ الوعي البيئي يترسخ ويُنتج قواه وأحزابه و«خطابه» القائم على أهمية الحفاظ على الحياة وعبثية الحروب على هذه النقطة الشاحبة التي يتعين أن يتقاسم الناس خيراتها. «أعمدة التكوين» لفتت انتباه العامة قبل العلماء والمتخصصين إلى أن الكون ما زال يتشكل ويعمل في استقلال عما يفعل البشر. وأن القوى المسيرة للكون ربما لا تقاس من «القوى الكبرى» و«الدول العظمى» و«الأقطاب الدولية». صور «أبولو» و«مير» والمحطة الدولية بينت هزال مقولات الحدود الوطنية والتقوقع داخل المعازل فيما تعلو وحدة العالم، بمصيره ومستقبله وفنائه، فوق كل الحدود والحواجز التي يضعها الإنسان في وجه أخيه الإنسان.
بهذا المعنى، لا تصدر أهمية الصور الآتية من الفضاء من تأكيدها ما أدركه علماء الفيزياء النظرية فحسب. أي أن الأهمية هذه لا تأتي فقط من التقاط صور «لعمق الكون» ولحظات التكوين الجارية والتي جرت قديماً فقط. ولا هي مجرد تذكير أن قوانين الفيزياء مثلما نعرفها، سواء التقليدية أو النسبية أو الكمومية (فيزياء الكوانت) قد لا تصلح كلها لتفسير ما يدور في هذا الكون أن قوانين أصعب وأكثر تعقيداً وأشمل تنتظر من يكتشفها، خصوصاً أن كل خطوة صغيرة في البحث العلمي تطرح أسئلة أكثر مما تحمل إجابات. بل إن جانباً من أهمية صور منظار جيمس ويب، وما جاء قبلها وما سيأتي بعدها يكمن في حمله الإنسان على تحسين فهمه لواقعه وللتحديات التي تواجهه.
قد تغذي الاكتشافات الجديدة لاتساع الكون والأهوال التي قد تنطوي عليها مجراته البعيدة وأنواع الأشعة القاتلة التي تجعل السفر إلى خارج النظام الشمسي الذي تنتمي الأرض إليه متعذراً، إضافة إلى المسافات الفاصلة بين الكواكب واستحالة عبورها بواسطة التكنولوجيا التي في متناول البشر الحاليين، اتجاهاً عدمياً يبرر الرضوخ «للواقع» ولأسوأ نسخه واستسلاماً قدرياً لحدود القدرة البشرية.
بيد أن هذه وجهة واحدة من وجهات التعاطي مع العلم والأخذ منه وفهمه.
أما الوجهة التي تحرك العلماء منذ الأزمان التي بدأنا فيها نطالب بتفسيرات تتجاوز السببية المباشرة، ربما منذ تأمل سكان بلاد ما بين النهرين القدماء أشكال سلاسل النجوم، وأطلقوا الأسماء عليها وخصوها بصفات بشرية، أو نظام شروق الشمس وغروبها ودورة الأرض وتبدل الفصول تبعاً لها، فلم تحصر نفسها في النفعية الفورية، ولا في استغلال آني لكل ما يكشفه العلم. فما تقوله الصور الفضائية الحديثة والأقدم هو من صنف الرسائل التي تركها قدامى العلماء والداعية إلى إبقاء التفكير في العالم، المرئي والقريب، كما المخفي والنائي، مهمة دائمة لكل أجيال البشر.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab