إيران والصين اللامتوقع قانوناً

إيران والصين: اللامتوقع قانوناً

إيران والصين: اللامتوقع قانوناً

 العرب اليوم -
بقلم:حسام عيتاني

أزمنة عجيبة. اللامتوقع يُظهِر قدرته مرة جديدة. بعد احتجاجات إيران المفاجئة وجرأة المظاهرات في تحدي النظام ورموزه، خرج صينيون ليعترضوا على خلاصة أسلوب الحكم في إدارة البلاد.
الحشود التي كان يُنتظَر أن تخرج في إيران للاحتجاج على الأزمة الاقتصادية وتبذير النظام للثروة الوطنية في مغامرات خارج الحدود، اتخذت من الحجاب الذي تفرضه السلطات رمزاً للاعتراض الممتد على طول الخريطة الإيرانية وعرضها والذي يشمل السياسات الاقتصادية وديكتاتورية المرشد علي خامنئي وأتباعه.
على بُعد آلاف الكيلومترات، دفع حريق تسبب في سقوط عشر ضحايا في أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانغ، وحمّل السكان المحليون السلطاتِ المسؤوليةَ عنه بسبب التعنت في منع سكان المبنى المحترق من الخروج التزاماً بتعليمات منع انتشار وباء «كوفيد - 19»، سكان عشر مدن صينية من بينها شنغهاي وبكين إلى التظاهر والمطالبة بتنحي الرئيس شي جينبينغ بعد أسابيع قليلة من تحقيقه اختراقاً كبيراً في تعزيز قبضته على السلطة، ما يؤهله للبقاء في منصبه مدة مفتوحة. «فكر شي جيبنيغ» الذي أدرجه المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني في دستور البلاد، يحتاج إلى إعادة نظر.
كان الأقرب إلى الظن أن خطر انفجار الفقاعة العقارية والتفاوت المتفاقم بين الأثرياء والفقراء وتدهور الأرياف المستمر وتضاؤل النمو الكلي للاقتصاد الذي ينعكس هبوطاً في مؤشر الأسهم الصينية، ناهيك بممارسات الشركات التي تفرض ساعات عمل منهكة ورواتب شحيحة تُذكر بالعبودية، هي الأمور التي ستدفع الصينيين إلى الشوارع. أما أن تندلع الاضطرابات بسبب رفض إجراءات غايتها الحفاظ على الصحة العامة والحد من تفشي الوباء، فلم يكن من بين الاحتمالات المرجحة.
تبرز هنا نقطة مشتركة بين متظاهري إيران والصين: لقد وجهوا رفضهم إلى ما يُفترض أن يكون التزاماً عاماً بقيم ومبادئ يدافع عنها شعبا البلدين من خلال النظامين الشرعيين الحاكمين. الحجاب في إيران وسياسة «صفر كوفيد» في الصين. لا ينبغي أن يكون أي منهما موضع نقاش ما داما ينطلقان من تمسك الجمهورية الإسلامية في إيران بتعاليم الإسلام ومن ضمنها الحجاب وبإصرار جمهورية الصين الشعبية على وقف الموجة الجديدة من الوباء مهما كلّف الأمر، لما في ذلك من تهديد لصحة ملايين المواطنين وللاقتصاد ولسلامة البلاد عموماً.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فإذا كان استخدام الدين وأوامره ونواهيه أو التحجج بالمصلحة العامة، من الممارسات المعروفة لتبرير سيطرة أنظمة وحكومات بعينها منذ قرون، فإن تجربتَي إيران والصين، بغضّ النظر عن مآلاتهما، تقولان إن العامة لم يعودوا يقبلون التفسير السطحي لسلطات لا تفوّت فرصة في تهنئة نفسها على نجاحاتها وانتصاراتها من أجل تأبيد حكمها.
ليس من دون معنى أن يحمل الصينيون في مظاهراتهم أوراقاً بيضاء للإشارة إلى غياب حرية التعبير ولا أن يتبارى الشبان الإيرانيون في الإطاحة بعمامات الملالي في الشوارع كعلامات على الفهم العميق من المحتجين للترابط الذي تقيمه السلطات بين ظاهر شعاراتها الدينية (في إيران) والمستندة إلى المصلحة العامة (في الصين) وبين مضمون السياسات الهادفة إلى ديمومة النظام الذي يستبطن قدراً من العنف والبطش والتهديد الدائم بهما.
رمزية الحجاب والعمامة وإجراءات «صفر كوفيد» رأى ملايين الإيرانيين والصينيين فيها أدوات إضافية لتعميم السيطرة وكبح جماح مجتمعين يتطوران على نحو لا تستطيع سلطات طهران وبكين اللحاق به أو استيعابه وتطويعه. النظرية التي ترددت إبان الثورات العربية في العقد الماضي عن الدور الحاسم الذي أدته وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، تبينت قلة دقتها في بلدين يفرضان رقابة قاسية على الوسائل تلك. لا يعني ذلك أن «الإنترنت» كانت غائبة عن الاضطرابات في إيران والصين، لكنّ حضورها جاء مسانداً وثانوياً وإعلامياً -إذا صح التعبير- وليس تنظيمياً كما في «الربيع العربي».
الخطاب المزدوج الذي يغطي أهداف القوى القابضة على السلطة بقولبة المجتمع وتطويعه وتكييفه وفق ضرورات استمرار النخب في مواقعها، يغطيها بشعارات تستعير الدين والتاريخ والشعور الوطني والآيديولوجيات المختلفة، ليس جديداً في عالم الحكومات والزعماء الذين يريدون من مواطنيهم عدّهم أشباه آلهة وأئمة معصومين.
بيد أن آليات التحكم بالمجتمع عن طريق المؤسسات العامة -التي أفاض ميشال فوكو في شرحها مستخدماً أمثلة المستشفيات والسجون والمصحات العقلية وغيرها- وعن طريق المؤسسة الدينية والحزب في حالتَي إيران والصين، لإخضاع المواطنين وإقناعهم بتأييد من يجلس في قصر الحاكم بل بالموت في سبيله في حروبه، باتت تتعارض مع ما يستطيع إنسان اليوم معرفته والاطلاع عليه من المصادر المتاحة ولو كرهت السلطات.
لعل على سياسيي اليوم اعتبار اللامتوقع هو القانون الذي يتعين توقعه وحده.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والصين اللامتوقع قانوناً إيران والصين اللامتوقع قانوناً



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab